التفاسير

< >
عرض

وَأَنَّا لاَ نَدْرِيۤ أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن فِي ٱلأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً
١٠
-الجن

التحرير والتنوير

قرأه الجمهور وأبو جعفر بكسر الهمزة وهو ظاهر المعنى، وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي وحفص وخلف بفتحها عطفاً على المجرور بالباء كما تقدم فيكون المعنى: وآمنا بأنا انتفى علمنا بما يراد بالذين في الأرض، أي الناس، أي لأنهم كانوا يسترقون علم ذلك فلما حرست السماء انقطع علمهم بذلك. هذا توجيه القراءة بفتح همزة { أنا } ومحاولة غير هذا تكلف.

وهذه نتيجة ناتجة عن قولهم: { وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع } [الجن: 9] الخ لأن ذلك السمع كان لمعرفة ما يجري به الأمر من الله للملائكة ومما يُخْبِرُهُمْ به مما يريد إعلامهم به فكانوا على علم من بعض ما يتلقفونه فلما منعوا السمع صاروا لا يعلمون شيئاً من ذلك فأخبروا إخوانهم بهذا عساهم أن يعتبروا بأسباب هذا التغير فيؤمنوا بالوحي الذي حرسه الله من أن يطلع عليه أحد قبل الذي يوحَى به إليه والذي يحمله إليه.

فحاصل المعنى: إنا الآن لا ندري ماذا أريد بأهل الأرض من شر أو خير بعد أن كنا نتجسس الخبر في السماء.

وهذا تمهيد لما سيقولونه من قولهم: { وأنا منا الصالحون } [الجن: 11] ثم قولهم: { وأنا ظننا أن لن نعجز الله في الأرض } [الجن: 12] ثم قولهم: { وأنا لما سمعنا الهدى آمنا به } [الجن: 13] إلى قوله: { فكانوا لجهنم حَطباً } [الجن: 15].

ومفعول { ندري } هو ما دل عليه الاستفهام بعده من قوله: { أشرّ أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشداً } وهو الذي علَّق فعل { ندري } عن العمل، والاستفهام حقيقي وعادة المعربين لمثله أن يقدروا مفعولاً يستخلص من الاستفهام تقديره: لا ندري جواب هذا الاستفهام، وذلك تقديرُ معنًى لا تقديرُ إعراب. هذا هو تفسير الآية على المعنى الأكمل وهي من قبيل قوله تعالى: { وما أدري ما يفعل بي ولا بكم } [الأحقاف: 9].

وليس المراد منها فيما نرى أنهم ينفون أن يعلموا ماذا أراد الله بهذه الشهب، فإن ذلك لا يناسب ما تقدم من أنهم آمنوا بالقرآن إذ قالوا: { إنا سمعنا قرآناً عجباً يهدي إلى الرشد فآمنا به } [الجن: 1، 2] وقولهم: { فمن يستمع الآن يجد له شهاباً رصداً } [الجن: 9] فذلك صريح في أنهم يدرون أن الله أراد بمن في الأرض خيراً بهذا الدّين وبصرف الجن عن استراق السمع.

وتكرير (إنّ) واسمها للتأكيد لكون هذا الخبر معرضاً لشك السامعين من الجن الذين لم يختبروا حراسة السماء.

والرشَد: إصابة المقصود النافع وهو وسيلة للخير، فلهذا الاعتبار جعل مقابلاً للشر وأسند فعل إرادة الشر إلى المجهول ولم يسند إلى الله تعالى مع أن مقابله أسند إليه بقوله: { أم أراد بهم ربهم رشداً }، جرياً على واجب الأدب مع الله تعالى في تحاشي إسناد الشر إليه.