التفاسير

< >
عرض

فَإِذَا نُقِرَ فِي ٱلنَّاقُورِ
٨
فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ
٩
عَلَى ٱلْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ
١٠
-المدثر

التحرير والتنوير

الفاء لتسبب هذا الوعيد عن الأمر بالإِنذار في قوله { فأنذر } [المدثر: 2]، أي فأنذر المنذَرين وأنذرهم وقتَ النقر في الناقور وما يقع يومئذٍ بالذين أُنذروا فأعرضوا عن التذكرة، إذ الفاء يجب أن تكون مرتبطة بالكلام الذي قبلها.

ويجوز أن يكون معطوفاً على { فاصبر } [المدثر: 7] بناء على أنه أمر بالصبر على أذى المشركين.

و { الناقور }: البوق الذي ينادى به الجيش ويسمى الصُّور وهو قرن كبير، أو شبهُه ينفخ فيه النافخ لنداء ناس يجتمعون إليه من جيش ونحوه، قال خُفاف بن نَدْبَةَ:

إذا نَاقورُهم يوماً تَبَدَّىأجاب الناسُ من غرب وشَرق

ووزنه فاعول وهو زنة لما يقع به الفعل من النقْر وهو صوت اللسان مثل الصفير فقوله نُقر، أي صُوِّت، أي صوَّت مُصَوِّتٌ. وتقدم ذكر الصور في سورة الحاقة.

و (إذا) اسم زمان أضيف إلى جملة { نقر في الناقور } وهو ظرف وعامله ما دل عليه قوله: { فَذلك يومئذٍ يوم عسير } لأنه في قوة فِعْل، أي عَسُر الأمرُ على الكافرين.

وفاء { فذلك } لجزاء (إذا) لأن (إذا) يتضمن معنى شرط.

والإِشارة إلى مدلول (إذا نُقر)، أي فذلك الوقت يوم عسير.

و { يومئذٍ } بدل من اسم الإِشارة وقع لبيان اسم الإشارة على نحو ما يبين بالاسم المعرف بـ «أل» في نحو { ذلك الكتابُ لا ريب فيه } [البقرة: 2].

ووصف اليوم بالعسير باعتبار ما يحصل فيه من العسر على الحاضرين فيه، فهو وصف مجازي عقلي. وإنما العسير ما يقع فيه من الأحداث.

و { على الكافرين } متعلق بـ { عسير }.

ووصف اليوم ونحوه من أسماء الزمان بصفات أحداثِه مشهور في كلامهم، قال السَمَوْأل، أوْ الحارثي:

وأيَّامُنا مشهورةٌ في عدوّنالها غُرر معلومة وحُجول

وإنما الغُرر والحجول مستعارة لصفات لقائهم العدوّ في أيامهم، وفي المقامة الثلاثين «لا عَقَدَ هذا العقدَ المبجَّل، في هذا اليوم الأغَر المُحْجَل، إلاّ الذي جال وجَاب، وشب في الكُدْيَة وشَاب» وقال تعالى: { فأرسلنا عليهم ريحاً صرصراً في أيام نحسات } في سورة فصلت (16).

و { غير يسير } تأكيد لمعنى { عسير } بمرادفه. وهذا من غرائب الاستعمال كما يقال: عاجلاً غير آجل، قال طالب بن أبي طالب:

فلْيكُن المغلوبَ غيرَ الغَالِبْوليكن المسلوبَ غَيْر السَّالِبْ

وعليه من غير التأكيد قوله تعالى: { قد ضلّوا وما كانوا مهتدين } [الأنعام: 140] { قد ضلَلْتُ إذاً وما أنا من المهتدين } [الأنعام: 56]. وأشار الزمخشري إلى أن فائدة هذا التأكيد ما يشعر به لفظ { غير } من المغايرة فيكون تعريضاً بأن له حالة أخرى، وهي اليسر، أي على المؤمنين، ليجمع بين وعيد الكافرين وإغاظتهم، وبشارة المؤمنين.