التفاسير

< >
عرض

فَأَخَذَهُ ٱللَّهُ نَكَالَ ٱلآخِرَةِ وَٱلأُوْلَىٰ
٢٥
إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّمَن يَخْشَىٰ
٢٦
-النازعات

التحرير والتنوير

جملة { فأخذه الله نكال الآخرة والأولى } مفرعة عن الجُمل التي قبلها، أي كان ما ذكر من تكذيبه وعصيانه وكيده سبباً لأن أخذه الله، وهذا هو المقصود من سَوق القصة وهو مناط موعظة المشركين وإنذارهم، مع تسلية النبي صلى الله عليه وسلم وتثبيته.

وحقيقة الأخذ: التناول باليد، ويستعار كثيراً للمقدرة والغلبة كما قال تعالى: { { فأخذناهم أخذ عزيز مقتدر } [القمر: 42] وقال: { { فأخذهم أخذةً رابية } [الحاقة: 10]. والمعنى: فلم يُفلت من عقاب الله.

والنكال: اسم مصدر نكَّل به تنكيلاً وهو مِثل: السَّلام، بمعنى التسليم.

ومعنى النكال: إيقاع أذى شديد على الغير من التشهير بذلك بحيث يُنَكِّل، أي يَرُد ويَصْرِف من يشاهده عن أن يأتي بمثل ما عومل به المنكَّل به، فهو مشتق من النكول وهو النكوص والهروب، قال تعالى: { { فجعلناها نكالاً لما بين يديها وما خلفها } في سورة البقرة (66).

وانتصب { نكال } على المفعولية المطلقة لفعل «أخذه» مبين لنوع الأخذ بنوعين منه لأن الأخذ يقع بأحوال كثيرة.

وإضافة { نكال } إلى { الآخرة والأولى } على معنى (في).

فالنكال في الأولى هو الغرق، والنكال في الآخرة هو عذاب جهنم.

وقد استُعمل النكال في حقيقته ومجازه لأن ما حصل لفرعون في الدنيا هو نكال حقيقي وما يصيبه في الآخرة أطلق عليه النكال لأنه يشبه النكال في شدة التعذيب ولا يحصل به نكالٌ يوم القيامة.

وورود فعل «أخذه» بصيغة المضي مع أن عذاب الآخرة مستقبل ليوم الجزاء مُراعىً فيه أنه لما مات ابتدأ يذوق العذاب حين يرى منزلته التي سيؤول إليها يوم الجزاء كما ورد في الحديث.

وتقديم { الآخرة } على { الأولى } في الذكر لأنّ أمر الآخرة أعظم.

وجاء في آخر القصة بحوصلة وفذلكة لما تقدم فقال: { إن في ذلك لعبرة لمن يخشى } فهو في معنى البيان لمضمون جملة { { هل أتاك حديث موسى } [النازعات: 15] الآيات.

والإِشارة بقوله: { في ذلك } إلى { { حديث موسى } [النازعات: 15].

والعِبرة: الحالة التي ينتقل الذهن من معرفتها إلى معرفة عاقبتها وعاقبة أمثالها، وهي مشتقة من العَبْر، وهو الانتقال من ضفة وادٍ أو نهر إلى ضفته الأخرى.

والمراد بالعبرة هنا الموعظة.

وتنوين (عبرة) للتعظيم لأن في هذه القصة مواعظ كثيرة من جهات هي مَثُلات للأعمال وعواقبها، ومراقبةِ الله وخشيته، وما يترتب على ذلك وعلى ضده من خير وشر في الدنيا والآخرة.

وجُعل ذلك عبرة لمن يخشى، أي من تُخالط نفسَه خشيةُ الله لأن الذين يخشون الله هم أهل المعرفة الذين يفهمون دلالة الأشياء على لوازمها وخفاياها، قال تعالى: { { إنما يخشى اللَّه من عباده العلماء } [فاطر: 28] وقال: { { وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلِها إلا العالِمون } [العنكبوت: 43]. والخشية تقدمت قريباً في قوله: { { وأهديك إلى ربك فتخشى } [النازعات: 19].

وفي هذا تعريض بالمشركين بأنهم ليسوا بأهل للانتفاع بمثل هذا كما لم ينتفع بمثله فرعون وقومه.

وفي القصة كلها تعريض بسادة قريش من أهل الكفر مثل أبي جهل بتنظيرهم بفرعون وتنظير الدهماء بالقوم الذين حشرهم فرعون ونادى فيهم بالكفر، وقد عَلِم المسلمون مضرِب هذا المثل فكان أبو جهل يوصف عند المسلمين بفرعون هذه الأمة.

وتأكيد الخبر بــــ { إنَّ } ولام الابتداء لتنزيل السامعين الذين سيقت لهم القصة منزلة من ينكر ما فيها من المواعظ لعدم جريهم على الاعتبار والاتعاظ بما فيها من المواعظ.