جواب عما تضمنه قوله:
{ { يسئلونك على الساعة أيّان مرساها } [النازعات: 42] باعتبار ظاهر حال السؤال من طلب المعرفة بوقت حلول الساعة واستبطاء وقوعها الذي يرمون به إلى تكذيب وقوعها، فأجيبوا على طريقة الأسلوب الحكيم، أي إن طال تأخر حصولها فإنها واقعة وأنهم يوم وقوعها كأنه ما لبثوا في انتظار إلا بعض يوم. والعشية: معبر بها عن مدة يسيرة من زمان طويل على طريقة التشبيه، وهو مستفاد من { كأنَّهم }، فهو تشبيه حالهم بحالة من لم يلبث إلا عشية، وهذا التشبيه مقصود منه تقريب معنى المشبَّه من المتعارف.
وقوله: { أو ضحاها } تخيير في التشبيه على نحو قوله تعالى:
{ { أو كصيب من السماء } في سورة البقرة(19). وفي هذا العطف زيادة في تقليل المدة لأن حصة الضحى أقصر من حصة العشية. وإضافة (ضحى) إلى ضمير (العشية) جرى على استعمال عربي شائع في كلامهم. قال الفراء: أضيف الضحى إلى العشية، وهو اليوم الذي يكون فيه على عادة العرب يقولون: آتيك الغداة أو عشيتَها، وآتيك العشية أو غداتَها، وأنشدني بعض بني عُقيل:
نَحن صَبَّحنا عامراً في دَارهاجُرْداً تَعَادَى طَرَفَيْ نَهَارِها
عشيَّة الهِلال أو سِرارها
أراد عشية الهلال أو عشية سرار العشية: فهو أشد من: آتيك الغداة أو عشيتها ا هــــ. ومسوغُ الإِضافة أن الضحى أسبق من العشية إذ لا تقع عشية إلا بعد مرور ضحى، فصار ضحى ذلك اليوم يعرَّف بالإِضافة إلى عشية اليوم لأن العشية أقرب إلى علم الناس لأنهم يكونون في العشية بعد أن كانوا في الضحى، فالعشية أقرب والضحى أسبق.
وفي هذه الإِضافة أيضاً رعاية على الفواصل التي هي على حرف الهاء المفتوحة من { أيّان مرساها }.
وبانتهاء هاته السورة انتهت سور طوال المفصل التي مبدؤها سورة الحجرات.