التفاسير

< >
عرض

ذٰلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ ٱلنَّارِ
١٤
-الأنفال

التحرير والتنوير

الخطاب في { ذلكم فذوقوه } للمشركين الذين قُتلوا، والذين قطعت بنانهم أي يقال لهم هذا الكلام حيث تُضرب أعناقهم وبنانهم بأن يُلْقى في نفوسهم حينما يصابون إن أصابتهم كانت لمشاقتهم الله ورسوله، فإنهم كانوا يسمعون توعد الله إياهم بالعذاب والبطش كقوله: { يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون } [الدخان: 16] وقوله: { وما لهم ألا يعذبهم الله وهم يصُدون عن المسجد الحرام } [الأنفال: 34] ونحو ذلك وكانوا لا يخلُون من اختلاج الشك نفوسهم، فإذا رأوا القتل الذي لم يألفوه، ورأى الواحد منهم نفسه مضروباً بالسيف، ضرباً لا يستطيع له دفاعاً، علم أن وعيد الله تحقق فيه، فجاش في نفسه أن ذلك لمشاقته الله ورسوله، ولعلهم كانوا يرون إصابات تصيبهم من غير مَرْئي، فجملة: { ذلكم فذوقوه } مقول قول محذوف تقديره: قائلين، هو حالَ من ضمير { فاضربوا فوق الأعناق } [الأنفال: 12].

واسم الإشارة راجع إلى الضرب المأخوذ من قوله: { فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان } [الأنفال: 12] وهو مبتدأ وخبره محذوف، فإما أن يقدر ذلك هو العقاب الموعود، وإما أن يكون مما دل عليْه قوله: { بأنهم شاقوا الله ورسوله } [الأنفال: 13] فالتقدير ذلك بأنكم شاققتم الله ورسوله.

وتفريع { فذوقوه } على جملة: { ذلكم } بما قدر فيها تفريع للشّماتة على تحقيق الوعيد، فصيغة الأمر مستعملة في الشماتة والإهانة، وموقع { فذوقوه } اعتراض بين الجملة والمعطوف في قوله: { وأن للكافرين }، والاعتراضُ يكون بالفاء كما في قول النابغة:

ضِبابِ بني الطّوَالة فاعلميهولا يَغْرُرْك نأيي واغترابي

قالواوفي قوله: { وأن للكافرين عذاب النار } للعطف على المقول فهو من جملة القول، والتعريفُ في { الكافرين } للاستغراق وهو تذييل.

والمعنى: ذلكم، أي ضرب الأعناق، عقاب الدنيا، وأن لكم عذاب النار في الآخرة مع جميع الكافرين، والذوق مجاز في الإحساس والعلاقةُ الإطلاق.

وقوله: { وأن للكافرين عذاب النار } عطف على الخبر المحذوف أي ذلكم العذاب وأن عذاب النارِ لجميع الكافرين.