التفاسير

< >
عرض

يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ حَسْبُكَ ٱللَّهُ وَمَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ
٦٤
-الأنفال

التحرير والتنوير

استئناف ابتدائي بالإقبال على خطاب الرسول صلى الله عليه وسلم بأوامر وتعاليم عظيمة، مُهّد لقبولها وتسهيلها بما مضى من التذكير بعجيب صنع الله والامتنان بعنايته برسوله والمؤمنين، وإظهار أن النجاح والخير في طاعته وطاعة الله، من أوّل السورة إلى هنا، فموقع هذه الآية بعد التي قبلها كَامل الاتّساق والانتظام، فإنّه لمّا أخبره بأنّه حَسبه وكافيه، وبيّن ذلك بأنّه أيّده بنصره فيما مضى وبالمؤمنين، فقد صار للمؤمنين حظّ في كفاية الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم فلا جرم أنتج ذلك أنّ حسبه الله والمؤمنون، فكانت جملة: { يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين } كالفذلكة للجملة التي قبلها.

وتخصيص النبي بهذه الكفاية لتشريف مقامه بأنّ الله يكفي الأمّة لأجله.

والقول في وقوع «حسب» مسنداً إليه هنا كالقول في قوله آنفاً { فإنّ حسبك الله } [الأنفال: 62].

وفي عطف المؤمنين «على اسم الجلالة هنا: تنويه بشأن كفاية الله النبي صلى الله عليه وسلم بهم، إلاّ أنّ الكفاية مختلفة وهذا من عموم المشترك لا من إطلاَق المشترك على معنيين، فهو كقوله: { إن الله وملائكة يصلون على النبي }.

وقيل يُجعل { ومن اتبعك } مفعولاً معه لقوله: { حسبك } بناء على قول البصريين إنّه لا يعطف على الضمير المجرور اسم ظاهر، أو يجعل معطوفاً على رأي الكوفيين المجوّزين لمثل هذا العطف. وعلى هذا التقدير يكون التنويه بالمؤمنين في جعلهم مع النبي صلى الله عليه وسلم في هذا التشريف، والتفسير الأول أولى وأرشق.

وقد روي عن ابن عبّاس: أنّ قوله: { يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين } نزلت يوم أسلم عمر بن الخطاب. فتكون مكّيّة، وبقيت مقروءة غير مندرجة في سورة، ثم وقعت في هذا الموضع بإذن من النبي صلى الله عليه وسلم لكونه أنسب لها.

وعن النقّاش نزلت هذه الآية بالبيداء في بدر، قبل ابتداء القتال، فيكون نزولها متقدّما على أوّل السورة ثم جعلت في هذا الموضع من السورة.

والتناسب بينها وبين الآية التي بعدها ظاهر مع اتّفاقهم على أنّ الآية التي بعدها نزلت مع تمام السورة فهي تمهيد لأمر المؤمنين بالقتال ليحقّقوا كِفايتهم الرسول.