التفاسير

< >
عرض

أَلا يَظُنُّ أُوْلَـٰئِكَ أَنَّهُمْ مَّبْعُوثُونَ
٤
لِيَوْمٍ عَظِيمٍ
٥
يَوْمَ يَقُومُ ٱلنَّاسُ لِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ
٦
-المطففين

التحرير والتنوير

استئناف ناشىء عن الوعيد والتقريع لهم بالويل على التطفيف وما وصفوا به من الاعتداء على حقوق المبتاعين.

والهمزة للاستفهام التعجيبي بحيث يَسأل السائل عن علمهم بالبعث، وهذا يرجح أن الخطاب في قوله: { { ويل للمطففين } [المطففين: 1] موجه إلى المسلمين. ويرجع الإِنكار والتعجيب من ذلك إلى إنكار ما سيق هذا لأجله وهو فعل التطفيف. فأما المسلمون الخلص فلا شك أنهم انتهوا عن التطفيف بخلاف المنافقين.

والظن: مستعمل في معناه الحقيقي المشهور وهو اعتقاد وقوع الشيء اعتقاداً راجحاً على طريقة قوله تعالى: { { إن نظن إلا ظناً وما نحن بمستيقنين } [الجاثية: 32].

وفي العدول عن الإِضمار إلى اسم الإِشارة في قوله: { ألا يظن أولئك } لقصد تمييزهم وتشهير ذكرهم في مقام الذم، ولأنّ الإِشارة إليهم بعد وصفهم بــــ «المطففين» تؤذن بأن الوصف ملحوظ في الإِشارة فيؤذن ذلك بتعليل الإِنكار.

واللام في قوله: { ليوم عظيم } لام التوقيت مثل { { أقم الصلاة لدلوك الشمس } [الإسراء: 78].

وفائدة لام التوقيت إدماج الرد على شبهتهم الحاملة لهم على إنكار البعث باعتقادهم أنه لو كان بعث لبُعثت أمواتُ القرون الغابرة، فأومأ قوله { ليوم } أن للبعث وقتاً معيناً يقع عنده لا قبله.

ووصف يوم بــــ { عظيم } باعتبار عظمة ما يقع فيه من الأهوال، فهو وصف مجازي عقلي.

و{ يوم يقوم الناس لرب العالمين } بدل من «يوم عظيم» بدلاً مطابقاً وفتحته فتحة بناء مثل ما تقدم في قوله تعالى: { { يوم لا تملك نفس لنفس شيئاً } في سورة الانفطار (19) على قراءة الجمهور ذلك بالفتح.

ومعنى { يقوم الناس } أنهم يكونون قياماً، فالتعبير بالمضارع لاستحضار الحالة.

واللام في { لرب العالمين } للأجل، أي لأجل ربوبيته وتلقي حكمه.

والتعبير عن الله تعالى بوصف «رب العالمين» لاستحضار عظمته بأنه مالك أصناف المخلوقات.

واللام في { العالمين } للاستغراق كما تقدم في سورة الفاتحة.

قال في «الكشاف» «وفي هذا الإِنكار، والتعجيب، وكلمة الظن، ووصف اليوم بالعظيم، وقيام الناس فيه لله خاضعين، ووصف ذاته بـــ «رب العالمين» بيان بليغ لعظيم الذنب وتفاقم الإِثم في التطفيف وفيما كان مثل حالهِ من الحيف وترك القيام بالقسط والعمل على السوية» اهــــ.

ولما كان الحامل لهم على التطفيف احتقارهم أهل الجَلب من أهل البوادي فلا يقيمون لهم ما هو شعار العدل والمساواة، كان التطفيف لذلك منبئاً عن إثم احتقار الحقوق، وذلك قد صار خلقاً لهم حتى تخلقوا بمكابرة دعاة الحق، وقد أشار إلى هذا التنويه به قوله تعالى: { { والسماء رفعها ووضع الميزان أن لا تطغوا في الميزان وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان } [الرحمٰن: 7 ـــ 9] وقولُه حكاية عن شعيب: { { وزِنوا بالقسطاس المستقيم ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين } [الشعراء: 182، 183].