التفاسير

< >
عرض

كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ ٱلْيَقِينِ
٥
لَتَرَوُنَّ ٱلْجَحِيمَ
٦
ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ ٱلْيَقِينِ
٧
-التكاثر

أضواء البيان في تفسير القرآن

لو: هنا شرطية: جوابها محذوف باتفاق قدره ابن كثير أي لو علمتم حق العلم، لما ألهاكم التكاثر عن طلب الآخرة، حتى صرتم إلى المقابر، وعلم اليقين: أجاز أبو حيان إضافة الشيء لنفسه، أي لمغايرة الوصف، إذ العلم هو اليقين، ولكنه آكد منه.
وعن حسان قوله:

سرنا وساروا إلى بدر لحتفهم لو يعلمون يقين العلم ما ساروا

ولترون الجحيم: جواب لقسم محذوف.
وقال: المراد برؤيتها عند أول البعث، أو عند الورود، أو عند ما يتكشف الحال في القبر.
ثم لترونها عين اليقين:
قيل: هذا للكافر عند دخولها، هذا حاصل كلام المفسرين.
ومعلوم أن هذا ليس لمجرد الإخبار برؤيتها، ولكن وعيد شديد وتخويف بها، لأن مجرد الرؤية معلوم.
وإن منكم إلا واردها ولكن هذه الرؤية أخص، كما في قوله:
{ { وَرَأَى ٱلْمُجْرِمُونَ ٱلنَّارَ فَظَنُّوۤاْ أَنَّهُمْ مُّوَاقِعُوهَا } [الكهف: 53]، أي أيقنوا بدليل قوله: { { وَلَمْ يَجِدُواْ عَنْهَا مَصْرِفاً } [الكهف: 53].
وقد يبدو وجه في هذا المقام، وهو أن الرؤية هنا للنار نوعان:
الرؤية الأولى: رؤية علم وتيقن، في قوله: { لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ ٱلْيَقِينِ }، علماً تستيقنون به حقيقة يوم القيامة لأصبحتم بمثابة من يشاهد أهواله ويشهد بأحواله، كما في حديث الإحسان:
"أَن تعبد الله كأنك تراه" .
وقد وقع مثله في قصة الصديق لما أخبر نبأ الإسراء، فقال: "صدق محمد، فقالوا: تصدقه وأنت تسمع منه؟ قال: إني لأصدقه على أكثر من ذلك".
فلعلمه علم اليقين بصدقه صلى الله عليه وسلم فيما يخبر، صدق بالإسراء كأنه يراه.
وتكون الرؤية الثانية، رؤية عين ومشاهدة، فهو عين اليقين.
وقد قدمنا مراتب العلم الثلاث: علم اليقين، وعين اليقين، وحق اليقين.
فالعلم: ما كان عن دلائل.
وعين اليقين: ما كان عن مشاهدة.
وحق اليقين: ما كان عن ملابسة ومخالطة، كما يحصل العلم بالكعبة، ووجهتها فهو علم اليقين، فإذا رآها فهو عين اليقين بوجودها، فإذا دخلها وكان في جوفها فهو حق اليقين بوجودها. والله تعالى أعلم.