التفاسير

< >
عرض

ويْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ
١
-الهمزة

أضواء البيان في تفسير القرآن

اختلف في معنى كلمة ويل.
فقيل: هو واد في جهنم.
وقيل: هي كلمة عذاب وهلاك.
وتقدم للشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه، وذكر هذين المعنيين في سورة الجاثية عند قوله تعالى:
{ { وَيْلٌ لِّكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ } [الجاثية: 7]، وبين أنها مصدر لا لفظ له من فعله وأن المسوغ للابتداء بها مع أنها نكرة كونها في معرض الدعاء عليهم بالهلاك.
وقد استظهررحمه الله تعالى هذا المعنى.
ومما يشهد لما استظهرهرحمه الله ، ما جاء في حق أصحاب الجنة التي أصبحت كالصريم، أنهم قالوا عند رؤيتهم إياها
{ { قَالُواْ يٰوَيْلَنَآ إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ } [الأنبياء: 14]، فهي كلمة تقال عند نزول المصائب، وعند التقبيح.
وقال الفخر الرازي: أصل الويل لفظة السخط والدم، وأصلها نوى لفلان، ثم كثرت في كلامهم فوصلت باللام، ويقال: ويح بالحاء للترحم اهـ.
ومما يدل لقول الرازي أيضاً قول قارون
{ { وَيْكَأَنَّ ٱللَّهَ يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ } [القصص: 82].
ومثله للتعجب في قوله:
{ { قَالَتْ يٰوَيْلَتَا أَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ وَهَـٰذَا بَعْلِي شَيْخاً } [هود: 72].
وقوله:
{ { قَالَ يَاوَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَـٰذَا ٱلْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي } [المائدة: 31].
فالظاهر: أنها كلمة تقال عند الشدة والهلكة، أو شدة التعجب مما يشبه المستبعد.
والذي يشهد له القرآن: هو هذا المعنى، وسبب الخلاف قد يرجع لمجيئها تارة مطلقة كقوله:
{ { وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ } [المرسلات: 15]، وهنا { ويْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ } [الهمزة: 1].
ويجيء مع ذكر ما يتوعد به كقوله:
{ { فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنَ ٱلنَّارِ } [ص: 27]، وقوله: { { فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ } [الزخرف: 65]، فذكر النار والعذاب الأليم.
وكذلك قوله:
{ { فَوْيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن مَّشْهِدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ } [مريم: 37]، فهي في هذا كله للوعيد الشديد، مما ذكر معها من النار والعذاب الأليم ومشهد يوم عظيم، وليست مقصودة بذاتها دون ما ذكر معها، والعلم عند الله تعالى.
وقوله: { هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ }، قيل: هما بمعنى واحد، وهو الغيبة.
وأنشد ابن جرير قول زياد الأعجم:

تدلى بودي إذ لاقيتني كذباً وإن أغيب فأنت الهامز الهمزة

وعزا هذا لابن عباس، وهو الذي يصيب الناس ويطعن فيهم.
وقد جاء في القرآن استعمال كل من الكلمتين مفردة عن الأخرى، بما يدل على المغايرة.
ففي الهمزة قوله:
{ { وَلاَ تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَّهِينٍ هَمَّازٍ مَّشَّآءِ بِنَمِيمٍ } [القلم: 10-11]، مما يدل على الكذب والنميمة.
وفي الهمزة قوله تعالى:
{ { وَلاَ تَلْمِزُوۤاْ أَنفُسَكُمْ وَلاَ تَنَابَزُواْ بِٱلأَلْقَابِ } [الحجرات: 11].
وقوله:
{ { وَمِنْهُمْ مَّن يَلْمِزُكَ فِي ٱلصَّدَقَاتِ } [التوبة: 58]، مما يدل على أنها أقرب للتنقص والعيب في الحضور لا في الغيبة، فتغاير الهمز في المعنى، وفي الصفة، والجمع بينهما جمع بين القبيحين، فكان مستحقاً لهذا الوعيد الشديد بكلمة ويل.
وقد قيل: الهمز باليد: وقيل: باللسان في الحضرة، والهمز في الغيبة.
وقيل: الهمز باليد، واللمز باللسان، والغمز بالعين، وكلها معان متقاربة تشترك في تنقص الآخرين.