التفاسير

< >
عرض

فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَٱنْحَرْ
٢
-الكوثر

أضواء البيان في تفسير القرآن

في هذا مع ما قبله ربط بين النعم وشكرها، وبين العبادات وموجبها، فكما أعطاه الكوثر فليصل لربه سبحانه ولينحر له، كما تقدم في سورة لإيلاف قريش، في قوله تعالى: { { فَلْيَعْبُدُواْ رَبَّ هَـٰذَا ٱلْبَيْتِ ٱلَّذِيۤ أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ } [قريش: 3-4].
وهناك
{ { إِنَّآ أَعْطَيْنَاكَ ٱلْكَوْثَرَ } [الكوثر: 1]، وهو أكثر من رحلتيهم وأمنهم، { فَصَلِّ لِرَبِّكَ } مقابل { { فَلْيَعْبُدُواْ رَبَّ هَـٰذَا ٱلْبَيْتِ } [قريش: 3].
وقيل: إنه لما كان في السورة قبلها بيان حال المنافقين في السهو عن الصلاة والرياء في العمل، جاء هنا بالقدوة الحسنة { فَصَلِّ لِرَبِّكَ } مخلصاً له في عبادتك، كما تقدم في السورة قبلها
{ { فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَآءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدَا } [الكهف: 110].
وقوله تعالى في تعليم الأمة، في خطاب شخصه صلى الله عليه وسلم
{ { لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ } [الزمر: 65]، مع عصمته صلى الله عليه وسلم من أقل من ذلك، والصلاة عامة والفريضة أخصها.
وقيل: صلاة العيد، والنحر: قيل فيه أقوال عديدة:
أولها: في نهر الهدى أو نحر الضحية: وهي مرتبطة بقول من حمل الصلاة على صلاة العيد، وأن النحر بعد الصلاة كما في حديث البراء بن عازب
"لما ضحى قبل أن يلي، وسمع النَّبي صلى الله عليه وسلم يحث على الضحية بعد الصلاة، فقال: إني علمت اليوم يوم لحم فعجلت بضحيتي، فقال له: شاتك شاة لحم؟ فقال: إن عندنا لعناقاً أحب إلينا من شاة، أتجزئ عني؟ قال: اذبحها، ولن تجزئ عن أحد غيرك" .
وتقدم للشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه مبحث الضحية وافياً عند قوله تعالى: { { فَكُلُواْ مِنْهَا وَأَطْعِمُواْ ٱلْبَآئِسَ ٱلْفَقِيرَ } [الحج: 28]، وقد ذكروا في معاني: وانحر: أي ضع يدك اليمنى على اليسرى على نحرك في الصلاة، وهذا مروي عن علي رضي الله عنه.
وأقوال أخرى ليس عليها نص.
والنحر: هو طعن الإبل في اللبة عند المنحر ملتقى الرقبة، بالصدر.
وأصح الأقوال في الصلاة.
وفي النحر هو ما تقدم من عموم الصلاة وعموم النحر أو الذبح لما جاء في قوله تعالى:
{ { قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } [الأنعام: 162].
واتفق الفقهاء أن النحر للإبل، والذبح للغنم، والبقر متردد فيه بين النحر والذبح، وأجمعوا على أن ذلك هو الأفضل، ولو عمم النحر في الجميع، أو عمم الذبح في الجميع لكان جائزاً، ولكنه خلاف السنة.
وقالوا: إن الحكمة في تخصيص الإبل بالنحر، وهو طول العنق، إذ لو ذبحت لكان مجرى الدم من القلب إلى محل الذبح بعيداً فلا يساعد على إخراج جميع الدم بيسر، بخلاف النحر في المنحر، فإنه يقرب المسافة ويساعد القلب على دفع الدم كله، أما الغنم فالذبح مناسب لها، والعلم عند الله تعالى.