التفاسير

< >
عرض

حَتَّىٰ إِذَا جَآءَ أَمْرُنَا وَفَارَ ٱلتَّنُّورُ قُلْنَا ٱحْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ ٱثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ ٱلْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَآ آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ
٤٠
-هود

أضواء البيان في تفسير القرآن

قوله تعالى: { قُلْنَا ٱحْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ ٱثْنَيْنِ } الآية. ذكر الله جل وعلا في الآية هذه الكريمة أنه أمر نبيه نوحاً عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام: أن يحمل في سفينته من كل زوجين اثنين. وبين في سورة { قد أفلح المؤمنون } أنه أمره أن يسلكهم أي يدخلهم فيها. فدل ذلك على أن فيها بيوتاً يدخل فيه الراكبون. وذلك في قوله { { فَإِذَا جَآءَ أَمْرُنَا وَفَارَ ٱلتَّنُّورُ فَٱسْلُكْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ ٱثْنَيْنِ } [المؤمنون: 27] ومعنى "ٱسْلُكْ" أدخل فيها من كل زوجين اثنين. تقول العرب: سلكت الشيء في الشيء: أدخلته فيه. وفيه لغة أخرى وهي: أسلكته فيه، رباعياً بوزن أفعل، والثلاثية لغة القرآن. كقوله: { فَٱسْلُكْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ ٱثْنَيْنِ } [المؤمنون: 27] الآية. وقوله { ٱسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ } [القصص: 32] الآية. وقوله { كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوبِ ٱلْمُجْرِمِينَ } [الشعراء: 200] الآية. وقوله { كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ ٱلْمُجْرِمِينَ } [الحجر: 12] وقوله { مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ } [المدثر: 42] الآية. ومنه قول الشاعر:

وكنت لزاز خصمك لم أعرد وقد سلكوك في يوم عصيب

ومن الرباعية قول عبد مناف بن ربع الهذلي:

حتى إذا أسلكوهم في قتائده شلا كما تطرد الجمالة الشردا

قال مقيدة - عفا الله عنه -: الذي يظهر أن أصل السلك الذي هو الخيط فعل بمعنى مفعول كذبح بمعنى مذبوح، وقتل بمعنى مقتول. لأن الخيط يسلك أي يدخل في الخرز لينظمه. كما قال العباس بن مرداس السلمي:

عين تأوبها من شجوها أرق فالماء يغمرها طورا وينحدر
كأنه نظم در عند ناظمة تقطع السلك منه فهو منتثر

والله تعالى أعلم.
ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أنه أمر نوحاً أن يحمل في السفينة أهله إلا من قد سبق عليه القول، أي سبق عليه من القول بأنه شقى، وأنه هالك مع الكافرين.
ولم يبين هنا من سبق عليه القول منهم، ولكنه بين بعد هذا أن الذي سبق عليه القول من أهله هو ابنه وامرأته.
قال في ابنه الذي سبق عليه القول:
{ وَنَادَىٰ نُوحٌ ٱبْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يٰبُنَيَّ ٱرْكَبَ مَّعَنَا وَلاَ تَكُن مَّعَ ٱلْكَافِرِينَ } [هود: 42] - إلى قوله - { وَحَالَ بَيْنَهُمَا ٱلْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ ٱلْمُغْرَقِينَ } [هود: 43] وقال فيه أيضاً: { قَالَ يٰنُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ } [هود: 46] الآية وقال في امرأته: { ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱمْرَأَةَ نُوحٍ } [التحريم: 10] - إلى قوله { مَعَ ٱلدَّاخِلِينَ } [التحريم: 10].