التفاسير

< >
عرض

وَكَذٰلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ ٱلأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَىٰ ءَالِ يَعْقُوبَ كَمَآ أَتَمَّهَآ عَلَىٰ أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ
٦
-يوسف

أضواء البيان في تفسير القرآن

قوله تعالى: { وَكَذٰلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ ٱلأَحَادِيثِ } بين الله جل وعلا أنه علم نبيه يوسف من تأويل الأحاديث، وصرح بذلك أيضاً في قوله: { وَكَذٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي ٱلأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ ٱلأَحَادِيثِ } [يوسف: 21].
وقوله:
{ رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ ٱلْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ ٱلأَحَادِيثِ } [يوسف: 101].
واختلف العلماء في المراد بتأويل الأحاديث.
فذهب جماعة من أهل العلم إلى أن المراد بذلك: تعبير الرؤيا، فالأحاديث على هذا القول هي الرؤيا، قالوا: إنها إما حديث نفس أو ملك أو شيطان.
وكان يوسف أعبر الناس للرؤيا. ويدل لهذا الوجه الآيات الدالة على خبرته بتأويل الرؤيا، كقوله:
{ { يٰصَاحِبَيِ ٱلسِّجْنِ أَمَّآ أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً وَأَمَّا ٱلآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ ٱلطَّيْرُ مِن رَّأْسِهِ قُضِيَ ٱلأَمْرُ ٱلَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ } [يوسف: 41] وقوله: { قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعُ سِنِينَ دَأَباً فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ } [يوسف: 47] إلى قوله { يَعْصِرُونَ } [يوسف: 49].
وقال بعض العلماء: المراد بتأويل الأحاديث معرفة معاني كتب الله وسنن الأنبياء، وما غمض وما اشتبه على الناس من أغراضها ومقاصدها، يفسرها لهم ويشرحها، ويدلهم على مودعات حكمها.
وسميت أحاديث، لأنها يحدث بها عن الله ورسله، فيقال: قال الله كذا، وقال رسوله كذا، ألا ترى إلى قوله تعالى:
{ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ } [الأعراف: 185].
وقوله:
{ ٱللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ ٱلْحَدِيث } [الزمر: 23] الآية.
ويدل لهذا الوجه قوله تعالى:
{ { وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً } [يوسف: 22] وقوله: { قَالَ لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَن يَأْتِيكُمَا ذٰلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّيۤ } [يوسف: 37] الآية.
قال مقيدة عفا الله عنه:
الظاهر أن الآيات المذكورة تشمل ذلك كله من تأويل الرؤيا، وعلوم كتب الله وسنن الأنبياء - و العلم عند الله تعالى.