التفاسير

< >
عرض

قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَىٰ أَن مَّسَّنِيَ ٱلْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ
٥٤
-الحجر

أضواء البيان في تفسير القرآن

قوله تعالى: { قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَىٰ أَن مَّسَّنِيَ ٱلْكِبَرُ }.
بين تعالى في هذه الآية الكريمة أن نبيه إبراهيم قال: إنه وقت البشرى بإسحاق مسه الكبر. وصرح في هود بأن امرأته أيضاً قالت إنه شيخ كبير في قوله عنها:
{ وَهَـٰذَا بَعْلِي شَيْخاً } [هود: 72] كما صرح عنها هي أنها وقت البشرى عجوز كبيرة السن وذلك كقوله في هود: { { يٰوَيْلَتَا أَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ } [هود: 72] الآية، وقوله في الذاريات: { فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ } [الذاريات: 29]. وبين في موضع آخر عن نبيه إبراهيم أنه وقت هبة الله له ولده إسماعيل أنه كبير السن أيضاً وذلك قوله تعالى: { ٱلْحَمْدُ للَّهِ ٱلَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى ٱلْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ ٱلدُّعَآءِ } [إبراهيم: 39].
قوله تعالى: { فَبِمَ تُبَشِّرُونَ }.
الظاهر أن استفهام نبي إبراهيم الله عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام للملائكة بقوله { فَبِمَ تُبَشِّرُونَ } استفهام تعجب من كمال قدرة الله تعالى ويدل لذلك أنه تعالى ذكر أن ما وقع له وقع نظيره لامرأته حيث قالت { أَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ } وقد بين تعالى أن ذلك الاستفهام لعجبها من ذلك الأمر الخارق للعادة في قوله:
{ قَالُوۤاْ أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ ٱللَّهِ } [هود: 73] الآية ويدل له أيضاً وقوع مثله من نبي الله زكريا عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام لأنه لما قال: { رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً } [آل عمران: 38] الآية { فَنَادَتْهُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي ٱلْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَـىٰ } [آل عمران: 39]عجب من كمال قدرة الله تعالى فقال: { { رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَقَدْ بَلَغَنِي ٱلْكِبَرُ وَٱمْرَأَتِي عَاقِرٌ } [آل عمران: 40] الآية وقوله { فَبِمَ تُبَشِّرُونَ } قرأه ابن عامر وأبو عمرو وعاصم وحمزة والكسائي بفتح النون مخففة وهي نون الرفع وقرأه نافع بكسر النون مخففة وهي نون الوقاية مع حذف ياء المتكلم لدلالة الكسرة عليها وقرأة ابن كثير بالنون المكسورة المشددة مع المد فعلى قراءة ابن كثير لم يحذف نون الرفع ولا المفعول به بل نون الرفع مدغمة في نون الوقاية وياء المتكلم هي المفعول به وعلى قراءة الجمهور فنون الرفع ثابتة والمفعول به محذوف على حد قول ابن مالك.

وحذف فضلة أخبر إن لم يضر كحذف ما سيق جوابا أو حصر

وعلى قراءة نافع فنون الرفع محذوفة لاستثقال اجتماعها مع نون الوقاية.
تنبيه
حذف نون الرفع له خمس حالات ثلاث منها يجب فيها حذفها وواحدة يجوز فيها حذفها وإثباتها وواحدة يقصر فيها حذفها على السماع، أما الثلاث التي يجب فيها الحذف فالأولى منها إذا دخل على الفعل عامل جزم والثانية إذا دخل عليه عامل نصب الثالثة إذا أكد الفعل بنون التوكيد الثقيلة نحو لتبلون وأما الحالة التي يجوز فيها الإثبات الحذف فهي ما إذا اجتمعت مع نون الرفع نون الوقاية لكون المفعول ياء المتكلم فيجوز الحذف والإثبات ومن الحذف قراءة نافع في هذه الآية { فَبِمَ تُبَشِّرُونَ } بالكسر وكذلك قوله تعالى:
{ قَالَ أَتُحَاجُّوۤنِّي فِي ٱللَّهِ } [الأنعام: 80]. وقوله تعالى: { وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَآئِيَ ٱلَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ } [النحل: 27] بكسر النون مع التخفيف في الجميع أيضاً وقوله { قُلْ أَفَغَيْرَ ٱللَّهِ تَأْمُرُونِّيۤ أَعْبُدُ } [الزمر: 64] الآية بالكسر مع التخفيف أيضاً وكلها قرأها بعض القراء بالتشديد لإثبات نون الرفع وإدغامها في نون الوقاية وأما الحالة الخامسة المقصورة على السماع فهي حذفها لغير واحد من الأسباب الأربعة المذكورة كقول الراجز:

أبيت أسري وتبيت تدلكي وجهك بالعنبر والمسك الذكي

أما بقاء نون الرفع مع الجازم في قوله:

لولا فوارس من نعم وأسرتهم يوم الصليفاء لم يوفون بالجار

فهو نادر حملاً للم على أختها لا النافية أو ما النافية وقيل هو لغة قوم كما صرح به في التسهيل وكذلك بقاء النون مع حرف النصب في قوله:

أن تقرأن على أسماء ويحكما مني السلام وألا تشعرا أحدا

فهو لغة قوم حملوا أن المصدرية على أختها ما المصدرية في عدم النصب بها كما أشار له في الخلاصة بقوله:

وبعضهم أهمل أن حملاً على ما أختها حيث استحقت عملا

ولا ينافي كون استفهام إبراهيم للتعجب من كمال قدرة الله قول الملائكة له فيما ذكر الله عنهم: { قَالُواْ بَشَّرْنَاكَ بِٱلْحَقِّ فَلاَ تَكُن مِّنَ ٱلْقَانِطِينَ } [الحجر: 55] بدليل قوله: { قَالَ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ ٱلضَّآلُّونَ } [الحجر: 56] لأنه دليل على أن استفهامه ليس استفهام منكر ولا قانط والعلم عند الله تعالى.