التفاسير

< >
عرض

وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِّنَ ٱلْمَثَانِي وَٱلْقُرْآنَ ٱلْعَظِيمَ
٨٧
-الحجر

أضواء البيان في تفسير القرآن

ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أنه آتى نبيه صلى الله عليه وسلم سبعاً من المثاني والقرآن العظيم. ولم يبين هنا المراد بذلك.
وقد قدمنا في ترجمة هذا الكتاب المبارك أن الآية الكريمة إن كان لها بيان في كتاب الله غير واف بالمقصود، أننا نتمم ذلك البيان من السنة، فنبين الكتاب بالسنة من حيث إنها بيان للقرآن المبين باسم الفاعل. فإذا علمت ذلك فاعلم أن النَّبي صلى الله عليه وسلم بين في الحديث الصحيح: أن المراد بالسبع المثاني والقرآن العظيم في هذه الآية الكريمة: هو فاتحة الكتاب. ففاتحة الكتاب مبينة للمراد بالسبع المثاني والقرآن العظيم، وإنما بينت ذلك بإيضاح النَّبي صلى الله عليه وسلم لذلك في الحديث الصحيح.
قال البخاري في صحيحه في تفسير هذه الآية الكريمة: حدثني محمد بن بشار، حدثنا غندر، حدثنا شعبة عن خبيب بن عبد الرحمن، عن حفص بن عاصم،
"عن أبي سعيد بن المعلي قال: مرَّ بي النَّبي صلى الله عليه وسلم وأنا أُصلِّي، فدعاني فلم آته حتَّى صلَّيت، ثمَّ أتيت فقال: ما منعك أن تأتيني فقلت: كنت أُصلِّي. فقال: ألم يقل الله { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱسْتَجِيبُواْ للَّهِ وَلِلرَّسُولِ } - ثمَّ قال:- ألا أعلمك أعظم سورةٍ في القرآن قبل أن أخرج من المسجد فذهب النَّبي صلى الله عليه وسلم ليخرج فذكرته فقال: { الحمد لله رب العالمين } هي السَّبع المثاني والقرآن العظيم الَّذي أُوتيته" . حدثنا آدم حدثنا ابن أبي ذئب، حدثنا سعيد المقبري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أّمُّ القُرآنِ هِي السَّبع المثاني والقرآن العظيم" .
فهذا نص صحيح من النَّبي صلى الله عليه وسلم أن المراد بالسبع المثاني والقرآن العظيم: فاتحة الكتاب، وبه تعلم أن قول من قال إنها السبع الطوال غير صحيح، إذ لا كلام لأحد معه صلى الله عليه وسلم. ومما يدل على عدم صحة ذلك القول: أن آية الحجر هذه مكية، وأن السبع الطوال ما أنزلت إلا بالمدينة. والعلم عند الله تعالى.
وقيل لها "مثاني" لأنها تثني قراءتها في الصلاة.
وقيل لها "سبع" لأنها سبع آيات.
وقيل لها "القرآن العظيم" لأنها هي أعظم سورة. كما ثبت عن النَّبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح المذكور آنفاً.
وإنما عطف القرآن العظيم على السبع المثاني مع أن المراد بهما واحد وهو الفاتحة لما علم في اللغة العربية: من أن الشيء الواحد إذا ذكر بصفتين مختلفتين جاز عطف إحداهما على الأخرى تنزيلاً لتغاير الصفات منزلة تغاير الذوات. ومنه قوله تعالى:
{ { سَبِّحِ ٱسْمَ رَبِّكَ ٱلأَعْلَىٰ ٱلَّذِي خَلَقَ فَسَوَّىٰ وَٱلَّذِي قَدَّرَ فَهَدَىٰ وَٱلَّذِيۤ أَخْرَجَ ٱلْمَرْعَىٰ } [الأعلى: 1-4]، وقول الشاعر:

إلى الملك القرم وابن الهمام وليث الكتيبة في المزدحم