التفاسير

< >
عرض

جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَآؤونَ كَذَلِكَ يَجْزِي ٱللَّهُ ٱلْمُتَّقِينَ
٣١
-النحل

أضواء البيان في تفسير القرآن

ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أن المتقين يدخلون يوم القيامة جنات عدن. والعدن في لغة العرب: الإقامة.فمعنى جنات عدن: جنات إقامة في النعيم، لا يرحلون عنها، ولا يتحولون.
وبين في آيات كثيرة: أنهم مقيمون في الجنة على الدوام، كما أشار له هنا بلفظة "عدن"، كقوله:
{ { لاَ يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً } [الكهف:108]، وقوله: { ٱلَّذِيۤ أَحَلَّنَا دَارَ ٱلْمُقَامَةِ مِن فَضْلِهِ } [فاطر: 35] الآية. والمقامة: الإقامة. وقد تقرر في التصريف: أن الفعل إذا زاد على ثلاثة أحرف فالمصدر الميمي منه، واسم الزمان، واسم المكان كلها بصيغة اسم المفعول. وقوله: { إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ } [الدخان: 51] على قراءة نافع وابن عامر بضم الميم من الإقامة. وقوله: { وَيُبَشِّرَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً مَّاكِثِينَ فِيهِ أَبَداً } [الكهف: 2-3] إلى غير ذلك من الآيات.
وقوله في هذه الآية الكريمة: { تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ } [النحل: 31].
بين أنواع تلك الأنهار في قوله:
{ { فِيهَآ أَنْهَارٌ مِّن مَّآءٍ غَيْرِ آسِنٍ } [محمد صلى الله عليه وسلم: 15] - إلى قوله - { مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى } [محمد صلى الله عليه وسلم: 15]، وقوله هنا: { لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَآؤونَ } أوضحه في مواضع أخر. كقوله: { لَهُم مَّا يَشَآءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ } [ق: 35]، وقوله: { وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ ٱلأَنْفُسُ وَتَلَذُّ ٱلأَعْيُنُ وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } [الزخرف: 71]، وقوله: { { لَّهُمْ فِيهَا مَا يَشَآءُونَ خَالِدِينَ كَانَ عَلَىٰ رَبِّكَ وَعْداً مَّسْئُولاً } [الفرقان: 16]، وقوله: { { لَهُم مَّا يَشَآءُونَ عِندَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَآءُ ٱلْمُحْسِنِينَ } [الزمر: 34]، وقوله: { { وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِيۤ أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ } [فصلت: 31] { نُزُلاً مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ } [فصلت: 32]، إلى غير ذلك من الآيات.
وقوله في هذه الآية: { كَذَلِكَ يَجْزِي ٱللَّهُ ٱلْمُتَّقِين } [النحل: 31].
يدل على أن تقوى الله هو السبب الذي به تنال الجنة.
وقد أوضح تعالى هذا المعنى في مواضع أخر. كقوله:
{ { تِلْكَ ٱلْجَنَّةُ ٱلَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيّاً } [مريم: 63]، وقوله: { وَسَارِعُوۤاْ إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا ٱلسَّمَاوَاتُ وَٱلأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ } [آل عمران: 133]، وقوله: { { إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ } [الذارايات: 15]، وقوله: { إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ } [الطور: 17] إلى غير ذلك من الآيات.