التفاسير

< >
عرض

وَٱللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَىٰ أَرْذَلِ ٱلْعُمُرِ لِكَيْ لاَ يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ
٧٠
-النحل

أضواء البيان في تفسير القرآن

قوله تعالى: { وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَىٰ أَرْذَلِ ٱلْعُمُرِ لِكَيْ لاَ يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ }.
بين جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أن من الناس من يموت قبل بلوغ أرذل العمر، ومنهم من يعمر حتى يرد إلى أرذل العمر. وأرذل العمر آخره الذي تفسد فيه الحواس، ويختل فيه النطق والفكر، وخص بالرذيلة لأن حال لا رجاء بعدها لإصلاح ما فسد. بخلاف حال الطفولة، فإنهاحاله ينتقل منها إلى القوة وإدراك الأشياء. وأوضح هذا المعنى في مواضع أخر. كقوله في سورة الحج.
{ وَمِنكُمْ مَّن يُتَوَفَّىٰ وَمِنكُمْ مَّن يُرَدُّ إِلَىٰ أَرْذَلِ ٱلْعُمُرِ لِكَيْلاَ يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً } [الحج: 5]، وقوله في الروم: { ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً } [الروم: 54] الآية. وأشار إلى ذلك أيضاً بقوله: { { وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلاَ يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ فِي كِتَابٍ } [فاطر: 11]، وقوله في سورة المؤمن: { ثُمَّ لِتَكُـونُواْ شُيُوخاً وَمِنكُمْ مَّن يُتَوَفَّىٰ مِن قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوۤاْ أَجَلاً مُّسَمًّى وَلَعَلَّـكُمْ تَعْقِلُونَ } [غافر: 67].
وقال البخاري في صحيحه في الكلام على هذه الآية الكريمة: باب قوله تعالى:
{ وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَىٰ أَرْذَلِ ٱلْعُمُرِ } [النحل: 70] حدثنا موسى بن إسماعيل،، حدثنا هارون بن موسى أبو عبد الله الأعور، عن شعيب، عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو "أعوذ بالله من البخل والكسل، وأرذل العمر، وعذاب القبر، وفتنة الدجال، وفتنة المحيا والممات" اهـ وعن علي رضي الله تعالى عنه: أن أرذل العمر خمس وسبعون سنة, وعن قتادة: تسعون سنة. والظاهر أنه لا تحديد له بالسنين. وإنما هو باعتبار تفاوت حال الأشخاص. فقد يكون ابن خمس وسبعين أضعف بدناً وعقلاً، وأشد خرفاً - من آخر ابن تسعين سنة، وظاهر قول زهير في معلقته:-

سئمت تكاليف الحياة ومن يعش ثمانين حولا لا أبالك يسأم

أن ابن الثمانين بالغ أرذل العمر، ويدل له قول الآخر:

إن الثمانين وبلغتها قد أحوجت سمعي إلى ترجمان

وقوله: { لِكَيْ لاَ يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً } أي يرد إلى أرذل العمر، لأجل أن يزول ما كان يعلم من العلم أيام الشباب، ويبقى لا يدري شيئاً. لذهاب إدراكه بسبب الخرف. ولله في ذلك حكمة.
وقال بعض العلماء: إن العلماء العاملين لا ينالهم هذا الخرف، وضياع العلم والعقل من شدة الكبر. ويستروح لهذا المعنى من بعض التفسيرات في قوله تعالى:
{ { ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ إِلاَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } [التين: 5-6] الآية.