التفاسير

< >
عرض

وَعَلَىٰ ٱللَّهِ قَصْدُ ٱلسَّبِيلِ وَمِنْهَا جَآئِرٌ وَلَوْ شَآءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ
٩
-النحل

أضواء البيان في تفسير القرآن

قوله تعالى: { وَعَلَىٰ ٱللَّهِ قَصْدُ ٱلسَّبِيلِ وَمِنْهَا جَآئِرٌ }.
اعلم أولاً - أن قصد السبيل: هو الطريق المستقيم القاصد، الذي لا اعوجاج فيه، وهذا المعنى معروف في كلام العرب. ومنه قول زهير بن أبي سلمى المزني:

صحا القلب عن سلمى وأقصر باطله وعرى أفراس الصبا ورواحله
وأقصرت عما تعلمين وسددت علي سوى قصد السبيل معادله

وقول امرىء القيس:

ومن الطريقة جائر وهدى قصد السبيل منه ذو دخل

فإذا علمت ذلك فاعلم أن في معنى الآية الكريمة وجهين معروفين للعلماء، وكل منهما له مصداق في كتاب الله، إلا أن أحدهما أظهر عندي من الآخر.
الأول منهما - أن معنى { وَعَلَىٰ ٱللَّهِ قَصْدُ ٱلسَّبِيلِ }: أن طريق الحق التي هي قصد السبيل على الله، أي موصلة إليه، ليست حائدة، ولا جائرة عن الوصول إليه وإلى مرضاته. { وَمِنْهَا جَآئِرٌ }. أي ومن الطريق جائر لا يصل إلى الله، بل هو زائغ وحائد عن الوصول إليه. ويشهد لهذا المعنى قوله تعالى:
{ { وَأَنَّ هَـٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَٱتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ ٱلسُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ } [الأنعام: 153]، وقوله: { { وَأَنِ ٱعْبُدُونِي هَـٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ } [يس: 61].
ويؤيد هذا التفسير قوله بعده: { وَمِنْهَا جَآئِرٌ } وهذا الوجه أظهر عندي. واستظهره ابن كثير وغيره، وهو قول مجاهد.
الوجه الثاني - أن معنى الآية الكريمة: { وَعَلَىٰ ٱللَّهِ قَصْدُ ٱلسَّبِيلِ } أي عليه جل وعلا أن يبين لكم طريق الحق على ألسنة رسله.
ويدل لهذا الوجه قوله تعالى:
{ { رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى ٱللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ ٱلرُّسُلِ } [النساء: 165]، وقوله: { وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولاً } [الإسراء: 15]، وقوله: { فَإِنَّمَا عَلَىٰ رَسُولِنَا ٱلْبَلاَغُ ٱلْمُبِينُ } [التغابن: 12] إلى غير ذلك من الآيات.
وعلى هذا القول، فمعنى قوله: { وَمِنْهَا جَآئِرٌ } غير واضح، لأن المعنى: ومن طريق جائر عن الحق، وهو الذي نهاكم الله عن سلوكه، والجائر: المائل عن طريق الحق. والوجهان المذكوران في هذه الآية جاريان في قوله:
{ { إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَىٰ } [الليل: 12] الآية.
قوله تعالى: { وَلَوْ شَآءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِين }.
بين جل وعلا في هذه الآية الكريمة أنه لو شاء هداية جميع خلقه لهداهم أجمعين. وأوضح هذا المعنى في آيات أخر، كقوله:
{ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى ٱلْهُدَىٰ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْجَاهِلِينَ } [الأنعام: 35]، وقوله: { وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا } [السجدة: 13] الآية، وقوله: { { وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَآ أَشْرَكُواْ } [الأنعام: 107]، وقوله: { { وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي ٱلأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً } [يونس: 99] الآية، وقوله: { { وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ ٱلنَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً... } [هود: 118] الآية، إلى غير ذلك من الآيات. وقد قدمنا هذا في سورة يونس.