التفاسير

< >
عرض

قُلِ ٱدْعُواْ ٱلَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِهِ فَلاَ يَمْلِكُونَ كَشْفَ ٱلضُّرِّ عَنْكُمْ وَلاَ تَحْوِيلاً
٥٦
أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَىٰ رَبِّهِمُ ٱلْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً
٥٧
-الإسراء

أضواء البيان في تفسير القرآن

بين جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أن المعبودين من دون الله الذين زعم الكفار أنهم يقربونهم إلى الله زلفى، ويشفعون لهم عنده لا يملكون كشف الضر عن عابديهم. أي إزالة المكروه عنهم، ولا تحويلاً أي تحويله من إنسان إلى آخر، أو تحويل المرض إلى الصحة، والفقر إلى الغنى، والقحط إلى الجدب ونحو ذلك. ثم بين فيها أيضاً أن المعبودين الذين عبدهم الكفار من دون الله يتقربون إلى الله بطاعته، ويبتغون الوسيلة إليه، أي الطريق إلى رضاه ونيل ما عنده من الثواب بطاعته فكان الواجب عليكم أن تكونوا مثلهم.
قال ابن مسعود: نزلت هذه الآية في قوم من العرب من خزاعة أو غيرهم، كانوا يعبدون رجالاً من الجن، فأسلم الجنيون وبقي الكفار يعبدونهم فأنزل الله { أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَىٰ رَبِّهِمُ ٱلْوَسِيلَةَ } الآية وعن ابن عباس: أن هذه الآية نزلت في الذين كانوا يعبدون عزيراً والمسيح وأمه. وعنه أيضاً، وعن ابن مسعود، وابن زيد، والحسن: أنها نزلت في عبدة الملائكة. وعن ابن عباس: أنها نزلت في عبدة الشمس والقمر والكواكب وعزير والمسيح وأمه.
وهذا المعنى الذي بينه جل وعلا في هذه الآية الكريمة: من أن كل معبود من دون الله لا ينفع عابده، وأن كل معبود من دونه مفتقر إليه ومحتاج له جل وعلا - بينه أيضاً في مواضع أخر، كقوله "في سبأ"
{ قُلِ ٱدْعُواْ ٱلَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ لاَ يَمْلِكُونَ مِثُقَالَ ذَرَّةٍ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي ٱلأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِّن ظَهِيرٍ وَلاَ تَنفَعُ ٱلشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ } [سبأ:22-23]، وقوله "في الزمر": { أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ ٱللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ ٱللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّـلُ ٱلْمُتَوَكِّلُونَ } [الزمر:38]، إلى غير ذلك من الآيات وقد قدمنا "في سورة المائدة" أن المراد بالوسيلة في هذه الآية الكريمة "وفي آية المائدة": هو التقرب إلى الله بالعمل الصالح. ومنه قول لبيد:

أرى الناس لا يدرون ما قدر أمرهم بلى كل ذي لب إلى الله واسل

وقد قدمنا "في المائدة" أن التحقيق أن قول عنترة:

إن الرجال لهم إليك وسيلة إن يأخذوك تكحلي وتخضبي

من هذا المعنى، كما قدمنا أنها تجمع على وسائل، كقوله:

إذا غفل الواشون عدنا لوصلنا وعاد التصافي بيننا والوسائل

وأصح الأعاريب في قوله: { أَيُّهُمْ أَقْرَبُ } أنه بدل من واو الفاعل في قوله { يَبْتَغُونَ } وقد أوضحنا هذا "في سورة المائدة" بما أغنى عن إعادته هنا، والعلم عند الله تعالى.