التفاسير

< >
عرض

جَنَّاتِ عَدْنٍ ٱلَّتِي وَعَدَ ٱلرَّحْمَـٰنُ عِبَادَهُ بِٱلْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيّاً
٦١
-مريم

أضواء البيان في تفسير القرآن

بين جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أنه وعد عباده المؤمنين المطيعين جنات عدن. ثم بين أن وعده مأتي. بمعنى أنهم يأتونه وينالون من وعدوا به. لأنه جل وعلا لا يخلف الميعاد. وأشار لهذا المعنى في مواضع أخر. كقوله: { وَعْدَ ٱللَّهِ لاَ يُخْلِفُ ٱللَّهُ وَعْدَهُ } [الروم: 6] الآية. وقوله: { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُخْلِفُ ٱلْمِيعَادَ } [الرعد: 31]، وقوله: { رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَىٰ رُسُلِكَ وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ ٱلْمِيعَادَ فَٱسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ } [آل عمران: 194-195] الآية، وقوله تعالى: { إِنَّ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّداً وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَآ إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً } [الإسراء: 107-108]، وقوله تعالى: { فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِن كَفَرْتُمْ يَوْماً يَجْعَلُ ٱلْوِلْدَانَ شِيباً السَّمَآءُ مُنفَطِرٌ بِهِ كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولاً } [المزمل: 17-18]، وقوله تعالى: { أَذٰلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ ٱلْخُلْدِ ٱلَّتِي وُعِدَ ٱلْمُتَّقُونَ كَانَتْ لَهُمْ جَزَآءً وَمَصِيراً لَّهُمْ فِيهَا مَا يَشَآءُونَ خَالِدِينَ كَانَ عَلَىٰ رَبِّكَ وَعْداً مَّسْئُولاً } [الفرقان: 15-16] إلى غير ذلك من الآيات.
وقوله: { مأتياً } اسم مفعول أتاه إذا جاءه. والمعنى: أنهم لا بد أن يأتون ما وعدوا به. خلافاً لمن زعم أن { مأتياً } صيغة مفعول أريد بها الفاعل. أي كان وعده آتياً، إذ لا داعي لهذا مع وضوح ظاهر الآية.
تنبيه
مثل بعض علماء البلاغة بهذه الآية لنوع من أنواع البدل. وهو بدل الكل من البعض، قالوا: { جنات عدن } بدل من الجنة في قوله: { أولئك يدخلون الجنة } بدل كل من بعض.
قالوا: ومن أمثلة بدل الكل من البعض قوله:

رحم الله أعظماً دفنوها بسجستان طلحة الطلحات

"فطلحة" بدل من قوله "أعظماً" بدل كل من بعض. وعليه فأقسام البدل ستة: بدل الشيء من الشيء. وبدل البعض من الكل. وبدل الكل من البعض. وبدل الاشتمال. وبدل البداء. وبدل الغلط.
قال مقيدة عفا الله عنه: ولا يتعين عندي في الآية والبيت كون البدل بدل كل من بعض، بل يجوز أن يكون بدل الشيء من الشيء، لأن الألف واللام في قوله:
{ فَأُوْلَـٰئِكَ يَدْخُلُونَ ٱلْجَنَّةَ } [مريم: 60] للجنس، وإذا كان للجنس جاز أن يراد بها جميع الجنات، فيكون قوله: { جنات عدن } بدلاً من { الجنة } بدل الشيء من الشيء، لأن المراد بالأول الجمع كما تقدم كثير من أمثلة ذلك. والأعظم في البيت كناية عن الشخص، "فطلحة" بدل منه بدل الشيء من الشيء، لأنهم يدفنوا الأعظم وحدها بل دفنوا الشخص المذكور جميعه، أعظمه وغيرها من بدنه، وعبر هو عنه بالأعظم.