التفاسير

< >
عرض

فَلاَ تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدّاً
٨٤
-مريم

أضواء البيان في تفسير القرآن

قوله: { فَلاَ تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ } أي لا تستعجل وقوع العذاب بهم فإن الله حدد له أجلاً معيناً معدوداً. فإذا انتهى ذلك الأجل جاءهم العذاب. فقوله: { إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدّاً } أي نعد الأعوام والشهور والأيام التي دون وقت هلاكهم، فإذا جاء الوقت المحدد لذلك أهلكناهم. والعرب تقول: عجلت عليه بكذا إذا استعجلته منه.
ولما ذكره جل وعلا في هذه الآية الكريمة - من أن هلاك الكفار حدد له أجل معدود ذكره في مواضع كثيرة من كتابه. كقوله تعالى:
{ وَلاَ تَسْتَعْجِل لَّهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوۤاْ إِلاَّ سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ } [الأحقاف: 35]، وقوله تعالى: { وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِٱلْعَذَابِ وَلَوْلاَ أَجَلٌ مُّسَمًّى لَّجَآءَهُمُ ٱلْعَذَابُ } [العنكبوت: 53] الآية، وقوله: { وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلاَّ لأَجَلٍ مَّعْدُودٍ } [هود: 104]، وقوله: { وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ ٱلْعَذَابَ إِلَىٰ أُمَّةٍ مَّعْدُودَةٍ لَّيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ } [هود: 8]، وقوله: { وَلاَ تَحْسَبَنَّ ٱللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ ٱلظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ ٱلأَبْصَارُ } [إبراهيم: 42]، قوله تعالى: { نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلاً ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَىٰ عَذَابٍ غَلِيظٍ } [لقمان: 24]، وقوله: { قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَىٰ عَذَابِ ٱلنَّارِ } [البقرة: 126] الآية، وقوله: { فَمَهِّلِ ٱلْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً } [الطارق:17] إلى غير ذلك من الآيات.
وروي أن المأمون قرأ هذه السورة الكريمة فمر بهذه الآية وعنده جماعة من الفقهاء. فأشار إلى ابن السماك أن يعظه. فقال: إذا كانت الأنفاس بالعدد ولم يكن لها مدد، فما أسرع ما تنفد.
والأظهر في الآية هو ما ذكرنا من أن العد المذكور عد الأعوام والأيام والشهور من أجل المحدد.
وقال بعض أهل العلم. هو عد أنفاسهم. كما أشار إليه ابن السماك في موعظته للمأمون التي ذكرنا إن صح ذلك. وعن ابن عباس رضي الله عنهما "أنه كان إذا قرأها بكى وقال: آخر العدد خروج نفسك، آخر العدد: فراق أهلك. آخر العدد: دخول قبرك".
وقال بعض أهل العلم { إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدّاً } أي نعد أعمالهم لنجازيهم عليها. والظّاهر هو ما قدمنا. والعلم عند الله تعالى.