التفاسير

< >
عرض

وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ ٱلنَّاسِ عَلَىٰ حَيَاةٍ وَمِنَ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ ٱلْعَذَابِ أَن يُعَمَّرَ وَٱللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ
٩٦
-البقرة

أضواء البيان في تفسير القرآن

قوله تعالى: { يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ ٱلْعَذَابِ أَن يُعَمَّرَ }.
معنى الآية: أن أحد المذكورين يتمنى أن يعيش ألف سنة وطول عمره لا يزحزحه، أي: لا يبعده عن العذاب، فالمصدر المنسبك من أن وصلتها في قوله: { أَن يُعَمَّرَ } فاعل اسم الفاعل الذي هو "مزحزحه" على أصح الأعاريب. وفي لو، من قوله: { لَوْ يُعَمَّرُ } وجهان:
الأول: وهو قول الجمهور إنها حرف مصدري، وهي وصلتها في تأويل مفعول به لـ يود، والمعنى: يود أحدهم، أي: يتمنى تعمير ألف سنة، ولو قد تكون حرفاً مصدرياً لقول قتيلة بنت الحارث:

ما كان ضرك لو مننت وربما من الفتى وهو المغيظ المحنق

أي: ما كان ضرك منك.
وقال بعض العلماء: إن لو هنا هي الشرطية والجواب محذوف وتقديره: لو يعمر ألف سنة، لكان أحب شيء إليه، وحذف جواب لو مع دلالة المقام عليه واقع في القرآن وفي كلام العرب، فمنه في القرآن قوله تعالى:
{ كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ ٱلْيَقِينِ } [التكاثر: 5] أي: لو تعلمون علم اليقين لما ألهاكم التكاثر، وقوله: { { وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ ٱلْجِبَالُ } [الرعد: 31] أي: لكان هذا القرآن أو لكفرتم بالرحمن. ومنه في كلام العرب قول الشاعر:

فأقسم لو شيء أتانا رسوله سواك ولكن لم نجد لك مدفعاً

أي لو شيء أتانا رسوله سواك لدفعناه.
إذا عرفت معنى الآية فاعلم أن الله قد أوضح هذا المعنى مبيناً أن الإنسان لو متع ما متع من السنين ثم انقضى ذلك المتاع وجاءه العذاب، أن ذلك المتاع الفائت لا ينفعه، ولا يغني عنه شيئاً بعد انقضائه وحلول العذاب محله. وذلك في قوله:
{ { أَفَرَأَيْتَ إِن مَّتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ ثُمَّ جَآءَهُم مَّا كَانُواْ يُوعَدُونَ مَآ أَغْنَىٰ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يُمَتَّعُونَ } [الشعراء: 205-207]، وهذه هي أعظم آية في إزالة الداء العضال الذي هو طول الأمل. كفانا الله والمؤمنين شره.