التفاسير

< >
عرض

مَّنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وِزْراً
١٠٠
خَالِدِينَ فِيهِ وَسَآءَ لَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ حِمْلاً
١٠١
-طه

أضواء البيان في تفسير القرآن

ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أن من أعرض عن هذا الذكر الذي هو القرآن العظيم، أي صد وأدبر عنه، ولم يعمل بما فيه من الحلال والحرام، والآداب والمكارم، ولم يعتقد ما فيه من العقائد ويعتبر بما فيه من القصص والأمثال، ونحو ذلك فإنه يحمل يوم القيامة وزراً، قال الزمخشري في تفسير هذه الآية الكريمة: يريد بالوزر العقوبة الثقيلة الباهظة. سماها وزراً تشبيهاً في ثقلها على المعاقب وصعوبة احتمالها، بالحمل الذي يفدح الحامل وينقض ظهره، ويلقي عليه بهره. أو لأنها جزاء الوزر وهو الإثم.
قال مقيده عفا الله عنه وغفر له: قد دلت آيات كثيرة من كتاب الله: على أن المجرمين يأتون يوم القيامة يحملون أوزارهم. أي أثقال ذنوبهم على ظهورهم. كقوله في سورة "الأنعام":
{ { قَدْ خَسِرَ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِلِقَآءِ ٱللَّهِ حَتَّىٰ إِذَا جَآءَتْهُمُ ٱلسَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُواْ يٰحَسْرَتَنَا عَلَىٰ مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَىٰ ظُهُورِهِمْ أَلاَ سَآءَ مَا يَزِرُونَ } [الأنعام: 31]، وقوله في "النحل": { { لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ ٱلَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلاَ سَآءَ مَا يَزِرُونَ } [النحل: 25]، وقوله في "العنكبوت": { وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَّعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ } [العنكبوت: 13]، وقوله في "فاطر": { { وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَىٰ حِمْلِهَا لاَ يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ } [فاطر: 18].
وبهذه الآيات التي ذكرنا وأمثالها في القرآن ـ تعلم أن معنى قوله تعالى: { فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وِزْرا }، وقوله: { وَسَآءَ لَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ حِمْلاً } أن المراد بذلك الوزر المحمول أثقال ذنوبهم وكفرهم يأتون يوم القيامة يحملونها: سواء قلنا إن أعمالهم السيئة تتجسم في أقبح صورة وأنتنها، أو غير ذلك كما تقدم إيضاحه. والعلم عند الله. وقد قدمنا عمل "ساء" التي بمعنى يئس مراراً. فأغنى ذلك عن إعادته هنا.
وقوله تعالى: { خَالِدِينَ فِيهِ }.
قال القرطبي في تفسير هذه الآية الكريمة: { خَالِدِينَ فِيهِ } يريد مقيمين فيه، أي في جزائه، وجزاؤه جهنم.
تنبيه:
إفراد الضمير في قوله: { أَعْرَضَ }، وقوله: { فَإِنَّهُ } وقوله: { يحمل } باعتبار لفظ "من" وأما جمع { خالدين } وضمير لهم { يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ } فباعتبار معنى من كقوله:
{ { وَمَن يُؤْمِن بِٱللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحاً يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَآ } [الطلاق: 11] الآية، وقوله: { وَمَن يَعْصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَآ } [الجن: 23] الآية.
وقال الزمخشري في تفسير هذه الآية الكريمة: فإن قلت: اللام في "لهم" ما هي؟ وبم تتعلق؟ قلت: هي للبيان كما في
{ هَيْتَ لَكَ } [يوسف: 23].