التفاسير

< >
عرض

مَآ أَنَزَلْنَا عَلَيْكَ ٱلْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ
٢
-طه

أضواء البيان في تفسير القرآن

في قوله تعالى { مَآ أَنَزَلْنَا عَلَيْكَ ٱلْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ } وجهان من التفسير, وكلاهما يشهد له القرآن:
الأول - أن المعنى: ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى. أي لتتعب التعب الشديد بفرط تأسفك عليهم وعلى كفرهم. وتحسرهم على أن يؤمنوا. وهذا الوجه جاءت بنحوه آيات كثيرة, كقوله تعالى:
{ { فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ } [فاطر: 8] الآية, وقوله تعالى { { فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَىٰ آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُواْ بِهَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ أَسَفاً } [الكهف:6] وقوله { { لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ } [الشعراء: 3]. والآيات بمثل ذلك كثيرة جداً, وقد قدمنا في مواضع من هذا الكتاب المبارك.
الوجه الثاني - أنه صلى الله عليه وسلم صلى بالليل حتى تورَّمتْ قدماه, فأنزل الله { مَآ أَنَزَلْنَا عَلَيْكَ ٱلْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ } أي تنهك نفسك بالعبادة وتذيقها المشقة الفادحة. وما بعثناك إلا بالحنيفية السمحة. وهذا الوجه تدل له ظواهر آيات من كتاب الله, كقوله:
{ { وَمَا جَعَلَ عَلَيْكمْ فِي ٱلدِّينِ مِنْ حَرَجٍ } [الحج: 78], وقوله { { يُرِيدُ ٱللَّهُ بِكُمُ ٱلْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ ٱلْعُسْرَ } [البقرة: 185]. والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
ويفهم من قوله: { لتشقى } أنه أُنزل عليه ليسعد. كما يدل له الحديث الصحيح:
"من يُرد الله به خيراً يفقهه في الدين" وقد روى الطبراني عن ثعلبة بن الحكم رضي الله تعالى عنه, عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أن الله يقول للعلماء يوم القيامة: إني لم أجعل علمي وحكتمي فيكم إلا وأنا أريد أن أغفر لكم على ما كان منكم ولا أبالي" وقال ابن كثير: إن إسناده جيد, ويشبه معنى الآية على هذا القول الأخير قوله تعالى { { فَٱقْرَءُواْ مَا تَيَسَّرَ مِنَ ٱلْقُرْآنِ } [المزمل: 20] الآية. وأصل الشقاء في لغة العرب: العناء والتعب, ومنه قول أبي الطيب:

ذو العقل يشقى في النعيم بعقله وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم

ومنه قوله تعالى: { { فَلاَ يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ ٱلْجَنَّةِ فَتَشْقَىٰ } [طه: 117].