التفاسير

< >
عرض

قَالُواْ يٰمُوسَىٰ إِمَّآ أَن تُلْقِيَ وَإِمَّآ أَن نَّكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَىٰ
٦٥
-طه

أضواء البيان في تفسير القرآن

ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أن السحرة لما جمعهم فرعون واجتمعوا مع موسى للمغالبة قالوا له متأدبين معه: { إِمَّآ أَن تُلْقِيَ وَإِمَّآ أَن نَّكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَىٰ } وقد بين تعالى مقالتهم هذه في غير هذا الموضع. كقوله في "الأعراف": { { قَالُواْ يٰمُوسَىٰ إِمَّآ أَن تُلْقِيَ وَإِمَّآ أَن نَّكُونَ نَحْنُ ٱلْمُلْقِينَ } [الأعراف: 115]. وقد قدمنا في ترجمة هذا الكتاب المبارك: أن من أنواع البيان التي تضمنها أن يحذف مفعول { نُلْقِيَ }، ومفعول أول من { أَلْقَىٰ } وقد بين تعالى في مواضع أخر أن مفعول إلقاء موسى هو عصاه وذلك في قوله في "الأعراف": { { أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ } [الأعراف: 117]، وقوله في "الشعراء": { { فَأَلْقَىٰ مُوسَىٰ عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ } [الشعراء: 45]، وقوله هنا: { { وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوۤاْ } [طه: 69] الآية. وما في يمينه هو عصاه. كما قال تعالى: { { وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يٰمُوسَىٰ قَالَ هِيَ عَصَايَ } [طه: 17-18] الآية.
وقد بين تعالى أيضاً في موضع آخر: أن مفعول إلقائهم هو حبالهم وعصيهم، وذلك في قوله في "الشعراء":
{ { فَأَلْقَوْاْ حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُواْ بِعِزَّةِ فِرْعَونَ إِنَّا لَنَحْنُ ٱلْغَالِبُونَ } [الشعراء: 44]. وقد أشار تعالى إلى ذلك أيضاً بقوله هنا { { قَالَ بَلْ أَلْقُواْ فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَىٰ } [طه: 66]، لأن في الكلام حذفاً دل المقام عليه، والتقدير: قال بل ألقوا فألقوا حبالهم وعصيهم فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى. والمصدر المنسبك من "أن" وصلتها في قوله { أَن تُلْقِيَ } وفي قوله { أَن نَّكُونَ } فيه وجهان من الإعراب: الأول ـ أنه في محل نصب بفعل محذوف دل المقام عليه، والتقدير: إما أن تختار أن تلقي أي تختار إلقاءك أولاً، أو تختار إلقاءنا أولاً. وتقدير المصدر الثاني: وإما أن تختار أن نكون أي كوننا أول من ألقى، والثاني أنه في محل رفع، وعليه فقيل هو مبتدأ والتقدير إما إلقاؤك أول، أو إلقاؤنا أول. وقيل خبر مبتدأ محذوف، أي إما الأمر إلقاؤنا أو إلقاؤك.