التفاسير

< >
عرض

وَإِن تَجْهَرْ بِٱلْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ ٱلسِّرَّ وَأَخْفَى
٧
-طه

أضواء البيان في تفسير القرآن

خاطب الله نبيه صلى الله عليه وسلم في هذه الآية الكريمة بأنه: إن يجهر بالقول أي يقله جهرة في غير خفاء, فإنه جل وعلا يعلم السر وما هو أخفى من السر. وهذا المعنى الذي أشار إليه هنا ذكره في مواضع أخر, كقوله: { { وَأَسِرُّواْ قَوْلَكُمْ أَوِ ٱجْهَرُواْ بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ } [الملك: 13], وقوله: { { وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ } [النحل: 19]، وقوله تعالى: { { وَٱللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ } [محمد: 26]، وقوله تعالى: { { قُلْ أَنزَلَهُ ٱلَّذِي يَعْلَمُ ٱلسِّرَّ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ } [الفرقان: 6], الآية, إلى غير ذلك من الآيات. وفي المراد بقوله في هذه الآية { وَأَخْفَى } أوجه معروفة كلها حق ويشهد لها قرآن. قال بعض أهل العلم { يَعْلَمُ ٱلسِّرَّ }: أي ما قاله العبد سراً { وَأَخْفَى } أي ويعلم ما هو أخفى من السر, وهو ما توسوس به نفسه. كما قال تعالى: { { وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ ٱلْوَرِيدِ } [ق: 16]. وقال بعض أهل العلم: الإنسان أنه فاعله, كما قال تعالى: { وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِّن دُونِ ذٰلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ } [المؤمنون: 63], وكما قال تعالى: { { هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُمْ مِّنَ ٱلأَرْضِ وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلاَ تُزَكُّوۤاْ أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ ٱتَّقَىٰ } [النجم: 32] فالله يعلم ما يسره الإنسان اليوم. وما سيسره غداً. والعبد لا يعلم ما في غد كما قال زهير في معلقته:

وأعلم علم اليوم والأمس وقبله ولكنني عن علم ما في غد عم

وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: { وَأَخْفَى } صيغة تفضيل كما بينا, أي ويعلم ما هو أخفى من السر. وقول من قال: إن "أخفى" فعل ماض بمعنى أنه يعلم سر الخلق, وأخفى عنهم ما يعلمه هو. كقوله: { { يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً } [طه: 110] - ظاهر السقوط كما لا يخفى. وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: { وَإِن تَجْهَرْ بِٱلْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ ٱلسِّرَّ وَأَخْفَى } [طه: 7] أي فلا حاجة لك إلى الجهر بالدعاء ونحوه, كما قال تعالى: { { ٱدْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً } [الأعراف:55] { { وَٱذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ ٱلْجَهْرِ مِنَ ٱلْقَوْلِ } [الأعراف: 205] الآية. ويوضح هذا المعنى الحديث الصحيح. لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما سمع أصحابه رفعوا أصواتهم بالتكبير قال صلى الله عليه وسلم: "ارْبَعُوا على أنفسكم فإنكم لا تَدْعون أصم ولا غائباً, إنما تدعون سميعاً بصيراً. إن الذي تدعون أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته" .