التفاسير

< >
عرض

إِنَّ هَـٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَاْ رَبُّكُمْ فَٱعْبُدُونِ
٩٢
وَتَقَطَّعُوۤاْ أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ
٩٣
-الأنبياء

أضواء البيان في تفسير القرآن

قد قدمنا معاني "الأمة" في القرآن في سورة "هود". والمراد بالأمة هنا: الشريعة والملة. والمعنى: وأن هذه شريعتكم شريعة واحدة، وهي توحيد الله على الوجه الأكمل من جميع الجهات، وامتثال أمره، واجتناب نهيه بإخلاص في ذلك. على حسب ما شرعه لخلقه { وَأَنَاْ رَبُّكُمْ فَٱعْبُدُونِ } أي وحدي. والمعنى دينكم واحد وربكم واحد، فلم تختلفون { وَتَقَطَّعُوۤاْ أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ } المعنى: جعلوا أمر دينهم فيما بينهم قطعاً كما يتوزع الجماعة الشيء ويقتسمونه. فيصير لهذا نصيب ولذلك نصيب. تمثيلاً لاختلافهم فيه، وصيرورتهم فرقاً شتى ا هـ.
وظاهر الآية أن "تقطع" متعدية إلى المفعول ومفعولها "أمرهم" ومعنى تقطعوه. أنهم جعلوه قطعاً كما ذكرنا. وقال القرطبي قال الأزهري: { وَتَقَطَّعُوۤاْ أَمْرَهُمْ } أي تفرقوا في أمرهم فنصب "أمرهم" بحذف "في" ومن إطلاق الأمة بمعنى الشريعة والدين كما في هذه الآية: قوله تعالى عن الكفار:
{ إِنَّا وَجَدْنَآ آبَآءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ } [الزخرف: 22] أي على شريعة وملة ودين. ومن ذلك قول نابغة ذبيان:

حلفت فلم أترك في نفسك ريبة وهل يأثمن ذو أمة وهو طائع

ومعنى قوله: "وهل يأثمن ذو أمة.. الخ" أن صاحب الدين لا يرتكب الإثم طائعاً.
وما ذكره جل وعلا في هاتين الآيتين الكريمتين: من أن الدين واحد والرب واحد فلا داعي للاختلاف. وأنهم مع ذلك اختلفوا وصاروا فرقاً ـ أوضحه في سورة
{ قَدْ أَفْلَحَ ٱلْمُؤْمِنُونَ } [المؤمنون: 1] وزاد أن كل حزب من الأحزاب المختلفة فرحون بما عندهم. وذلك في قوله تعالى: { يٰأَيُّهَا ٱلرُّسُلُ كُلُواْ مِنَ ٱلطَّيِّبَاتِ وَٱعْمَلُواْ صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ وَإِنَّ هَـٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَاْ رَبُّكُمْ فَٱتَّقُونِ فَتَقَطَّعُوۤاْ أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُراً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّىٰ حِينٍ } [المؤمنون: 51-54]. وقوله في هذه الآية { زُبُراً } أي قطعاً كزبر الحديد والفضة، أي قطعها. وقوله { { كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ } [المؤمنون: 53] أي كل فرقة من هؤلاء الفرق الضالين المختلفين المتقطعين دينهم قطعاً ـ فرحون بباطلهم، مطمئنون إليه، معتقدون أنه هو الحق.
وقد بين جل وعلا في غير هذا الموضع: أن ما فرحوا به، واطمأنّوا إليه باطل، كما قال تعالى في سورة "المؤمن":
{ { فَلَمَّا جَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيِّنَاتِ فَرِحُواْ بِمَا عِندَهُمْ مِّنَ ٱلْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ فَلَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا قَالُوۤاْ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَحْدَهُ وَكَـفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ } [غافر: 83-84]، وقال: { إِنَّ ٱلَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعاً لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَآ أَمْرُهُمْ إِلَى ٱللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ } [الأنعام: 159].
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: { إِنَّ هَـٰذِهِ } "هَذِه" اسم "إِنَّ" وخبرها { أُمَّتُكُمْ }. وقوله { أُمَّةً وَاحِدَةً } حال كما هو ظاهر.