التفاسير

< >
عرض

أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ
١١٥
فَتَعَالَى ٱللَّهُ ٱلْمَلِكُ ٱلْحَقُّ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ ٱلْعَرْشِ ٱلْكَرِيمِ
١١٦
-المؤمنون

أضواء البيان في تفسير القرآن

الاستفهام في قوله: أفحسبتم للإنكار، والحسبان هنا معناه: الظن. يعني: أظننتم أنا خلقناكم عبثاً لا لحكمة، وأنكم لا ترجعون إلينا يوم القيامة، فنجازيكم على أعمالكم، إن خيراً فخير، وإن شراً شر، ثم نزَّه جل وعلا نفسه، عن أن يكون خلقهم عبثاً، وأنهم لا يرجعون إليه للحساب والجزاء.
وقوله: { فَتَعَالَى ٱللَّهُ ٱلْمَلِكُ ٱلْحَقُّ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ ٱلْعَرْشِ ٱلْكَرِيمِ } أي تعاظم وتقدس، وتنزه عن كل ما لا يليقُ بكماله وجلاله، ومنه خلقكم عبثاً سبحانه وتعالى، عن ذلك علواً كبيراً.
وما تضمنته هذه الآية من إنكار الظن المذكور جاء موضحاً في غير هذا الموضع كقوله تعالى:
{ { وَمَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَآءَ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ذَلِكَ ظَنُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنَ ٱلنَّارِ } [ص: 27] وقوله تعالى: { { وَمَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاَعِبِينَ مَا خَلَقْنَاهُمَآ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ } [الدخان: 38-39] وقوله تعالى: { أَيَحْسَبُ ٱلإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَىٰ ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّىٰ فَجَعَلَ مِنْهُ ٱلزَّوْجَيْنِ ٱلذَّكَرَ وَٱلأُنثَىٰ } [القيامة: 36-39] وقوله: سدى: أي مهملاً لا يحاسب ولا يجازي، وهو محل إنكار ظن ذلك في قوله: { { أَيَحْسَبُ ٱلإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى } [القيامة: 36] وقوله: عبثاً: يجوز إعرابه حالاً، لأنه مصدر منكر أي إنما خلقناكم في حال كوننا عابثين، ويجوز أن يعرب مفعولاً من أجله: أي إنما خلقناكم، لأجل العبث لا لحكمة اقتضت خلقنا إياكم، وأعربه بعضهم مفعولاً مطلقاً، وليس بظاهر. قال القرطبي عبثاً: أي مهملين، والعبث في اللغة: اللعب، ويدل على تفسيره في الآية باللعب قوله تعالى: { { وَمَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاَعِبِينَ } [الدخان: 38] وقوله: { ٱلْمَلِكُ ٱلْحَقُّ } قال بعضهم أي الذي يحق له الملك، لأن كل شيء منه وإليه. وقال بعضهم: الملك الحق: الثابت الذي لا يزول ملكه، كما قدمنا إيضاحه في سورة النحل في الكلام على قوله تعالى: { { وَلَهُ ٱلدِّينُ وَاصِباً } [النحل: 52] وإنما وصف عرشه بالكرم لعظمته وكبر شأنه والظاهر أن قوله: { وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ } معطوف على قوله: { أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً } خلافاً لمن قال: إنه معطوف على قوله: عبثاً، لأن الأول أظهر منه والعلم عند الله تعالى.