التفاسير

< >
عرض

وَمَن يَدْعُ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـهَا آخَرَ لاَ بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلْكَافِرُونَ
١١٧
-المؤمنون

أضواء البيان في تفسير القرآن

البرهان: الدليل الذي لا يترك في الحق لبساً، وقوله: لا برهان له به كقوله { { وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً } [الحج: 71] الآية. والسلطان: هو الحجة الواضحة وهو بمعنى: البرهان وقوله في هذه الآية الكريمة { فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ } قد بين أن حسابه الذي عند ربه، لا فلاح له فيه بقوله بعده { إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلْكَافِرُونَ } وأعظم الكافرين كفراً هو من يدعو مع الله إلهاً آخر، لا برهان له به، ونفي الفلاح عنه يدل على هلاكه وأنه من أهل النار، وقد حذر الله من دعاء إله معه في آيات كثيرة كقوله: { { وَلاَ تَجْعَلُواْ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهاً آخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ } [الذاريات: 51] وقوله: { { وَلاَ تَدْعُ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهاً آخَرَ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ لَهُ ٱلْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } [القصص: 88] وقوله تعالى: { { لاَّ تَجْعَل مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهاً آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَّخْذُولاً } [الإسراء: 22] والآيات بمثل ذلك كثيرة جداً، ولا خلاف بين أهل العلم أن قوله هنا: { لاَ بُرْهَانَ لَهُ بِهِ } لا مفهوم مخالفة له، فلا يصح لأحد أن يقول: أما من عبد معه إلهاً آخر له برهان به فلا مانع من ذلك، لاستحالة وجود برهان على عبادة إله آخر معه، بل البراهين القطعية المتواترة، دالة على أنه هو المعبود وحده جل وعلا ولا يمكن أن يوجد دليل على عبادة غيره ألبتة. وقد تقرر في فن الأصول أن من موانع اعتبار مفهوم المخالفة، كون تخصيص الوصف بالذكر لموافقته للواقع فيرد النص ذاكراً لوصف الموافق للواقع ليطبق عليه الحكم، فتخصيصه بالذكر إذاً ليس لإخراج المفهوم عن حكم المنطوق، بل لتخصيص الوصف بالذكر لموافقته للواقع.
ومن أمثلته في القرآن هذه الآية لأن قوله: { لاَ بُرْهَانَ لَهُ بِهِ } وصف مطابق للواقع، لأنهم يدعون معه غيره بلا برهان، فذكر الوصف لموافقته الواقع، لا لإخراج المفهوم عن حكم المنطوق.
ومن أمثلته في القرآن أيضاً قوله تعالى:
{ { لاَّ يَتَّخِذِ ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلْكَافِرِينَ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } [آل عمران: 28] لأنه نزل في قوم والوا اليهود دون المؤمنين، فقوله { مِن دُونِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } ذكر لموافقته للواقع لا لإخراج المفهوم، عن حكم المنطوق ومعلوم أن اتخاذ المؤمنين الكافرين أولياء، ممنوع على كل حال، وإلى هذا أشار في مراقي السعود في ذكره موانع اعتبار مفهوم المخالفة بقوله:

أو امتنان أو وفاق الواقع والجهل والتأكيد عند السامع