التفاسير

< >
عرض

وَٱلَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَـاةِ فَاعِلُونَ
٤
-المؤمنون

أضواء البيان في تفسير القرآن

في المراد بالزكاة هنا وجهان من التفسير معروفان عند أهل العلم.
أحدهما: أن المراد بها زكاة الأموال، وعزاه ابن كثير للأكثرين.
الثاني: أن المراد بالزكاة هنا: زكاة النفس أي تطهيرها من الشرك، والمعاصي بالإيمان بالله، وطاعته وطاعة رسله عليهم الصلاة والسلام، وعلى هذا فالمراد بالزكاة كالمراد بها في قوله
{ { قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا } [الشمس: 9-10] وقوله { { قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّىٰ } [الأعلى: 14]. الآية وقوله { { وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُمْ مِّنْ أَحَدٍ أَبَداً } [النور: 21] وقوله { { خَيْراً مِّنْهُ زَكَـاةً } [الكهف: 81] الآية وقوله { { وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْتُونَ ٱلزَّكَاةَ } [فصلت: 6-7] على أحد التفسيرين. وقد يستدل لهذا القول الأخير بثلاث قرائن.
الأولى: أن هذه السورة مكية، بلا خلاف، والزكاة إنما فرضت بالمدينة كما هو معلوم. فدل على أن قوله { وَٱلَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَـاةِ فَاعِلُونَ } نزل قبل فرض زكاة الأموال المعروفة، فدل على أن المراد به غيرها.
القرينة الثانية: هي أن المعروف في زكاة الأموال: أن يعبر عن أدائها بالإيتاء كقوله تعالى
{ { وَآتُواْ ٱلزَّكَاةَ } [البقرة: 43] وقوله { { وَإِيتَآءَ ٱلزَّكَـاةِ } [الأنبياء: 73] ونحو ذلك. وهذه الزكاة المذكورة هنا، لم يعبر عنها بالإيتاء، بل قال تعالى فيها { وَٱلَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَـاةِ فَاعِلُونَ } فدل على أن هذه الزكاة: أفعال المؤمنين المفلحين، وذلك أولى بفعل الطاعات، وترك المعاصي من أداء مال.
الثالثة: أن زكاة الأموال تكون في القرآن عادة مقرونة بالصلاة، من غير فصل بينهما كقوله
{ { وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ وَآتُواْ ٱلزَّكَاةَ } [البقرة: 43] وقوله { وَأَقَامُواْ ٱلصَّلاَةَ وَآتَوُاْ ٱلزَّكَاةَ } [البقرة: 277] وقوله { { وَإِقَامَ ٱلصَّلاَة وَإِيتَآءَ ٱلزَّكَـاةِ } [الأنبياء: 73] وهذه الزكاة المذكورة هنا فصل بين ذكرها، وبين ذكر الصلاة بجملة { { وَٱلَّذِينَ هُمْ عَنِ ٱللَّغْوِ مُّعْرِضُونَ } [المؤمنون: 3].
والذين قالوا المراد بها زكاة الأموال قالوا: إن أصل الزكاة فرض بمكة قبل الهجرة، وأن الزكاة التي فرضت بالمدينة سنة اثنتين هي ذات النصب، والمقادير الخاصة.
وقد أوضحنا هذا القول في الأنعام في الكلام على قوله تعالى
{ وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ } [الأنعام: 141] وقد يستدل، لأن المراد بالزكاة في هذه الآية غير الأعمال التي تزكى بها النفوس من دنس الشرك والمعاصي، بأنا لو حملنا معنى الزكاة على ذلك، كان شاملاً لجميع صفات المؤمنين المذكورة في أول هذه السورة، فيكون كالتكرار معها، والحمل على التأسيس والاستقلال أولى من غيره، كما تقرر في الأصول. وقد أوضحناه في سورة النحل في الكلام على قوله تعالى { { فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً } [النحل: 97] الآية والذين قالوا: هي زكاة الأموال قالوا: فاعلون أي مؤدون، قالوا: وهي لغة معروفة فصيحة، ومنها قول أمية بن أبي الصلت:

المطعمون الطعام في السنة الأز مــة والفاعلون للزكوات

وهو واضح، بحمل الزكاة على المعنى المصدري بمعنى التزكية للمال، لأنها فعل المزكي كما هو واضح. ولا شك أن تطهير النفس بأعمال البر، ودفع زكاة المال كلاهما من صفات المؤمنين المفلحين الوارثين الجنة.
وقد قال ابن كثيررحمه الله : وقد يحتمل أن المراد بالزكاة ها هنا: زكاة النفس من الشرك، والدنس إلى أن قال ويحتمل أن يكون كلا الأمرين مراداً وهو زكاة النفوس، وزكاة الأموال فإنه من جملة زكاة النفوس، والمؤمن الكامل هو الذي يفعل هذا وهذا والله أعلم. اهـ منه.