التفاسير

< >
عرض

وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَّذِيراً
٥١
فَلاَ تُطِعِ ٱلْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَاداً كَبيراً
٥٢
-الفرقان

أضواء البيان في تفسير القرآن

المعنى: لو شئنا لخففنا عنك أعباء الرسالة، وبعثنا في كل قرية نذيراً يتولى مشقة إنذارها عنك: أي ولكننا اصطفيناك، وخصصناك بعموم الرسالة لجميع الناس، تعظيماً لشأنك، ورفعاً من منزلتك، فقابل ذلك بالاجتهاد والتشدد التام في إبلاغ الرسالة ولا تطع الكافرين الآية.
وما دلت عليه هذه الآية الكريمة من اصطفائه صلى الله عليه وسلم بالرسالة لجميع الناس، جاء موضحاً، في آيات كثيرة كقوله تعالى:
{ { قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً } [الأعراف: 158] وقوله تعالى: { { وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَآفَّةً لِّلنَّاسِ } [سبأ: 28] وقوله: { { وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنُ لأُنذِرَكُمْ بِهِ وَمَن بَلَغَ } [الأنعام: 19]. وقوله: { { وَمَن يَكْفُرْ بِهِ مِنَ ٱلأَحْزَابِ فَٱلنَّارُ مَوْعِدُهُ } [هود: 17] الآية.
وقد قدمنا إيضاح هذا في أول هذه السورة الكريمة في الكلام على قوله تعالى:
{ { تَبَارَكَ ٱلَّذِي نَزَّلَ ٱلْفُرْقَانَ عَلَىٰ عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً } [الفرقان: 1] وقوله: { فَلاَ تُطِعِ ٱلْكَافِرِينَ } ذكره أيضاً في غير هذا الموضع. كقوله تعالى: { { فَلاَ تُطِعِ ٱلْكَافِرِينَ وَٱلْمُنَافِقِينَ } [الأحزاب: 48] الآية. قوله: { { وَلاَ تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً } [الإنسان: 24] وقوله: { { وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَٱتَّبَعَ هَوَاهُ } [الكهف: 28] الآية وقوله تعالى: { { وَلاَ تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَّهِينٍ } [القلم: 10].
وقوله في هذه الآية الكريمة: وجاهدهم به: أي بالقرآن كما روي عن ابن عباس.
والجهاد الكبير المذكور في هذه الآية هو المصحوب بالغلظة عليهم، كما قال تعالى:
{ { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ قَاتِلُواْ ٱلَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِّنَ ٱلْكُفَّارِ وَلِيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً } [التوبة: 123] الآية. وقال تعالى: { { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ جَاهِدِ ٱلْكُفَّارَ وَٱلْمُنَافِقِينَ وَٱغْلُظْ عَلَيْهِمْ } [التوبة: 73] وقوله تعالى: { فَلاَ تُطِعِ ٱلْكَافِرِينَ }، من المعلوم أنه صلى الله عليه وسلم، لا يطيع الكافرين ولكنه يأمر، وينهى ليشرع لأمته على لسانه كما أوضحناه في سورة بني إسرائيل.