التفاسير

< >
عرض

وَتَوكَّلْ عَلَى ٱلْعَزِيزِ ٱلرَّحِيمِ
٢١٧
ٱلَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ
٢١٨
وَتَقَلُّبَكَ فِي ٱلسَّاجِدِينَ
٢١٩
-الشعراء

أضواء البيان في تفسير القرآن

قد قدمنا في ترجمة هذا الكتاب المبارك، أن من أنواع البيان التي تضمنها أن يقول بعض العلماء في الآية قولاً، وتكون في الآية قرينة، تدل على عدم صحته، وذكرنا أمثلة متعددة لذلك في الترجمة وفيما مضى من الكتاب.
وإذا علمت ذلك فاعلم أن قوله هنا: { وَتَقَلُّبَكَ فِي ٱلسَّاجِدِينَ } قال فيه بعض أهل العلم المعنى: وتقلبك في أصلاب آبائك الساجدين: أي المؤمنين بالله كآدم ونوح، وإبراهيم، وإسماعيل.
واستدل بعضهم لهذا القول فيمن بعد إبراهيم من آبائه بقوله تعالى عن إبراهيم
{ { وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } [الزخرف: 28] وممن روى عنه هذا القول ابن عباس نقله عنه القرطبي، وفي الآية قرينة تدل على عدم صحة هذا القول وهي قوله تعالى قبله مقترناً به { ٱلَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ } فإنه لم يقصد به أنه يقوم في أصلاب الآباء إجماعاً، وأول الآية مرتبطة بآخرها: أي الذي يراك حين تقوم إلى صلاتك، وحين تقوم من فراشك، ومجلسك { وَتَقَلُّبَكَ فِي ٱلسَّاجِدِينَ } أي المصلين، على أظهر الأقوال، لأنه صلى الله عليه وسلم، يتقلب في المصلين قائماً، وساجداص وراكعاً، وقال بعضهم: الذي يراك حين تقوم أي إلى الصلاة وحدك وتقلبك في الساجدين: أي المصلين إذا صليت بالناس.
وقوله هنا: { ٱلَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ } الآية. يدل على الاعتناء به صلى الله عليه وسلم، ويوضح ذلك قوله تعالى:
{ { وَٱصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَاً تَقُومُ } [الطور: 48] الآية.
وقوله: وتوكل قرأه عامة السبعة غير نافع وابن عامر: وتوكل بالواو، وقرأه نافع وابن عامر فتوكل بالفاء، وبعض نسخ المصحف العثماني فيها الواو وبعضها فيها الفاء، وقوله هنا: { وَتَوكَّلْ عَلَى ٱلْعَزِيزِ ٱلرَّحِيمِ } قد قدمنا الآيات الموضحة له في سورة الفاتحة في الكلام على قوله تعالى:
{ { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } [الفاتحة: 5]، وبسطنا إيضاحه بالآيات القرآنية مع بيان التوكل في سورة بني إسرائيل في الكلام على قوله تعالى: { { وَآتَيْنَآ مُوسَى ٱلْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلاَّ تَتَّخِذُواْ مِن دُونِي وَكِيلاً } [الإسراء: 2].