التفاسير

< >
عرض

ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ ٱلَّذِينَ أَسَاءُواْ ٱلسُّوۤأَىٰ أَن كَذَّبُواْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَكَانُواْ بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ
١٠
-الروم

أضواء البيان في تفسير القرآن

قرأ هذا الحرف نافع وابن كثير وأبو عمرو، كان عاقبة: بضم التاء اسم كان، وخبرها السوأى وقرأه ابن عامر، وعاصم، وحمزة، والكسائي: ثم كان عاقبة الذين بفتح التاء، خبر كان قدم على اسمها على حد قوله في الخلاصة:

وفي جميعها توسط الخبر أجز.......

وعلى هذه القراءة فالسوأى اسم كان، وإنما جرد الفعل من التاء مع أن السوأى مؤنثة لأمرين:
الأول: أن تأنيثها غير حقيقي.
والثاني: الفصل بينها وبين الفعل كما هو معلوم. وأما على قراءة ضم التاء فوجه تجريد الفعل من التاء هو كون تأنيث العاقبة غير حقيقي فقط.
وأظهر الأقوال في معنى الآية عندي، أن المعنى على قراءة ضم التاء، كانت عاقبة المسيئين السوأى وهي تأنيث الأسوإ، بمعنى الذي هو أكثر سوءاً: أي كانت عاقبتهم العقوبة، التي هي أسوأ العقوبات، أي أكثرها سوءاً وهي النار أعاذنا الله، وإخواننا، المسلمين منها.
وأما على قراءة فتح التاء، فالمعنى: كانت السوأى عاقبة الذين أساءوا، ومعناه واضح مما تقدم، وأن معنى قوله. أن كذبوا: أي كانت عاقبتهم أسوأ العقوبات لأجل أن كذبوا.
وهذا المعنى تدل عليه آيات كثيرة توضح أن الكفر والتكذيب قد يؤدي شؤمه إلى شقاء صاحبه، وسوء عاقبته، والعياذ بالله. كقوله تعالى:
{ { فَلَمَّا زَاغُوۤاْ أَزَاغَ ٱللَّهُ قُلُوبَهُمْ } [الصف: 5]. وقوله: { { فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ ٱللَّهُ مَرَضاً } [البقرة: 10]. وقوله: { { فَبِمَا نَقْضِهِمْ مَّيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِم بَآيَاتِ ٱللَّهِ وَقَتْلِهِمُ ٱلأَنْبِيَآءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ ٱللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً } [النساء: 155].
وقد أوضحنا الآيات الدالة على هذا في سورة بني إسرائيل في الكلام على قوله تعالى:
{ { وَجَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِيۤ آذَانِهِمْ وَقْراً } [الإسراء: 46]، وفي الأعراف في الكلام على قوله تعالى: { { فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ مِن قَبْلُ } [الأعراف: 101] وفي غير ذلك.
وبما ذكرنا تعلم أن قول من قال: إن السوأى منصوب بأساءوا: أي اقترفوا الجريمة السوأى خلاف الصواب. وكذلك قول من قال: إن أن في قوله: أن كذبوا تفسيرية، فهو خلاف الصواب أيضاً، والعلم عند الله تعالى.