التفاسير

< >
عرض

ٱلْحَمْدُ للَّهِ فَاطِرِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ جَاعِلِ ٱلْمَلاَئِكَةِ رُسُلاً أُوْلِيۤ أَجْنِحَةٍ مَّثْنَىٰ وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي ٱلْخَلْقِ مَا يَشَآءُ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
١
-فاطر

أضواء البيان في تفسير القرآن

قوله تعالى: { ٱلْحَمْدُ للَّهِ فَاطِرِ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ جَاعِلِ ٱلْمَلاَئِكَةِ رُسُلاً أُوْلِيۤ أَجْنِحَةٍ مَّثْنَىٰ وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ } الآية.
الألف واللام في قوله: الحمد لله للاستغراق: أي جميع المحامد ثابت لله جل وعلا، وقد أثنى جل وعلا على نفسه بهذا الحمد العظيم، معلماً خلقه في كتابه: أن يثنوا عليه بذلك، مقترناً بكونه فاطر السموات والأرض، جاعل الملائكة رسلاً، وذلك يدل على أنّ خلقه للسماوات والأرض، وما ذكر معه يدلّ على عظمته، وكمال قدرته، واستحقاقه للحمد لذاته لعظمته وجلاله وكمال قدرته مع ما في خلق السماوات والأرض، من النعم على بني آدم فهو يخلقهما مستحق للحمد للذاته، ولإنعامه على الخلق بهما، وكون خلقهما جامعاً بين استحقاق الحمدين المذكورين، جاءت آيات من كتاب الله تدل عليه أمّا كون ذلك يستوجب حمد الله لعظمته وكماله، واستحقاقه لكلّ ثناء جميل فقد جاء في آيات من كتاب الله تعالى كقوله تعالى في أول سورة الأنعام:
{ { ٱلْحَمْدُ للَّهِ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ وَجَعَلَ ٱلظُّلُمَاتِ وَٱلنُّورَ } [الأنعام: 1] الآية. وقوله في أول سورة سبأ { { ٱلْحَمْدُ للَّهِ ٱلَّذِي لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } [سبأ: 1] الآية. وقوله تعالى في أول سورة الفاتحة: { { ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } [الفاتحة: 2] وقد قدّمنا أن قوله: ربّ العالمين بيّنه قوله تعالى: { { قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ قَالَ رَبُّ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِن كُنتُمْ مُّوقِنِينَ } [الشعراء: 23ـ24]. وكقوله تعالى: { { وَسَلاَمٌ عَلَىٰ ٱلْمُرْسَلِينَ وَٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } [الصافات: 181ـ182] وقوله: { { وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِٱلْحَقِّ وَقِيلَ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } [الزمر: 75].
وأما استحقاقه للحمد على خلقه بخلق السماوات والأرض، لما في ذلك من إنعامه على بني آدم فقد جاء في آيات عن كتاب الله، فقد بيّن تعالى أنه أنعم على خلقه، بأن سخر لهم ما في السماوات وما في الأرض في آيات من كتابه كقوله تعالى:
{ { وَسَخَّرَ لَكُمْ مَّا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً مِّنْهُ } [الجاثية: 13] وقوله تعالى: { { وَسَخَّر لَكُمُ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ دَآئِبَينَ } [إبراهيم: 33] الآية. وقوله تعالى: { { وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ وَٱلنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ ٱلْخَلْقُ وَٱلأَمْرُ تَبَارَكَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ } [الأعراف: 54] وقد قدمنا الآيات الموضحة لمعنى تسخير ما في السماوات لأهل الأرض في سورة الحجر في الكلام على قوله تعالى: { { وَحَفِظْنَاهَا مِن كُلِّ شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ } الآية [الحجر: 17].
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة { جَاعِلِ ٱلْمَلاَئِكَةِ رُسُلاً } قد قدمنا الآيات الموضحة له في سورة الحج، في الكلام على قوله تعالى:
{ { ٱللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ ٱلْمَلاَئِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ ٱلنَّاسِ } [الحج: 75].
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة { فَاطِرِ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ } أي خالق السماوات والأرض، ومبدعهما على غير مثال سابق.
وقال ابن كثيررحمه الله في تفسير هذه الآية الكريمة: قال سفيان الثوري، عن إبراهيم بن مهاجر، عن مجاهد، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كنت لا أدري ما فاطر السماوات والأرض: حتى أتاني أعرابيان يختصمان في بئر، فقال أحدهما لصاحبه: أنا فطرتها أي بدأتها.