التفاسير

< >
عرض

وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ ٱلأَجْدَاثِ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ
٥١
-يس

أضواء البيان في تفسير القرآن

ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة النفخة الأخيرة، والصور قرن من نور ينفخ فيه الملك نفخة البعث، وهي النفخة الأخيرة، وإذا نفخها قام جميع أهل القبور من قبورهم، أحياء إلى الحساب والجزاء.
وقوله: { فَإِذَا هُم مِّنَ ٱلأَجْدَاثِ } جمع جدث بفتحتين، وهو القبر، وقوله: ينسلون: أي يسرعون في المشي من القبور إلى المحشر، كما قال تعالى:
{ { يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ ٱلأَجْدَاثِ سِرَاعاً كَأَنَّهُمْ إِلَىٰ نُصُبٍ يُوفِضُونَ } [المعارج: 43] وقال تعالى: { { يَوْمَ تَشَقَّقُ ٱلأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعاً } [ق: 44] الآية. وكقوله تعالى: { { يَخْرُجُونَ مِنَ ٱلأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ مُّهْطِعِينَ إِلَى ٱلدَّاعِ } [القمر: 7ـ8] الآية. وقوله: { مُّهْطِعِينَ إِلَى ٱلدَّاعِ } أي مسرعين مادِّي أعناقهم على أشهر التفسيرين، ومن إطلاق نسل بمعنى أسرع:
قوله تعالى:
{ { حَتَّىٰ إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِّن كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ } [الأنبياء: 96] وقول لبيد:

عسلان الذئب أمسى قارباً برد الليل عليه فنسل

وما تضمنته هذه الآية الكريمة، من أن أهل القبور يقومون أحياء عند النفخة الثانية، جاء موضحاً في آيات كثيرة في كتاب الله تعالى كقوله تعالى: { { وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَن فِي ٱلأَرْضِ إِلاَّ مَن شَآءَ ٱللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَىٰ فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ } [الزمر: 68]. وقوله تعالى: { { إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ } [يس: 53]، وهذه الصيحة هي النفخة الثانية كقوله تعالى: { { يَوْمَ يَسْمَعُونَ ٱلصَّيْحَةَ بِٱلْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ ٱلْخُرُوجِ } [ق: 42] أي الخروج من القبور وقوله تعالى: { { فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُم بِٱلسَّاهِرَةِ } [النازعات: 13ـ14] والزجرة: هي النفخة الثانية. والساهرة: وجه الأرض، والفلاة الواسعة، ومنه قول أبي كبير الهذلي:

يرتدن ساهرة كأن جميمها وعميمها أسداف ليل مظلم

وقول لأشعث بن قيس:

وساهرة يضحى السراب مجللاً لأقطارها قد حببتها متلثما

وكقوله تعالى: { { فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ يَنظُرُونَ } [الصافات: 19] وقوله تعالى: { { وَمِنْ آيَاتِهِ أَن تَقُومَ ٱلسَّمَآءُ وَٱلأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِّنَ ٱلأَرْضِ إِذَآ أَنتُمْ تَخْرُجُونَ } [الروم: 25] وهذه الدعوة بالنفخة الثانية، وقوله تعالى: { { يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ } [الإسراء: 52] الآية. إلى غير ذلك من الآيات.