التفاسير

< >
عرض

ٱحْشُرُواْ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُواْ يَعْبُدُونَ
٢٢
مِن دُونِ ٱللَّهِ فَٱهْدُوهُمْ إِلَىٰ صِرَاطِ ٱلْجَحِيمِ
٢٣
-الصافات

أضواء البيان في تفسير القرآن

المراد بالذين ظلموا الكفار كما يدلّ عليه قوله بعده: { وَمَا كَانُواْ يَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ }.
وقد قدمنا إطلاق الظلم على الشرك في آيات متعددة كقوله تعالى:
{ { إِنَّ ٱلشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } [لقمان: 13]. وقوله تعالى: { { وَٱلْكَافِرُونَ هُمُ ٱلظَّالِمُونَ } [البقرة: 254]. وقوله تعالى: { { وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِّنَ ٱلظَّالِمِينَ } [يونس: 106].
وقد ثبت في صحيح البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه فسر الظلم بالشرك في قوله تعالى:
{ { وَلَمْ يَلْبِسُوۤاْ إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ } [الأنعام: 82]. وقوله تعالى: { وَأَزْوَاجَهُمْ } جمهور أهل العلم منهم: عمر وابن عباس، على أن المراد به أشباههم ونظراؤهم، فعابد الوثن مع عابد الوثن، والسارق مع السارق، والزاني مع الزاني، واليهودي مع اليهودي، والنصراني مع النصراني، وهكذا وإطلاق الأزواج على الأصناف مشهور في القرآن، وفي كلام العرب كقوله تعالى: { { وَٱلَّذِي خَلَقَ ٱلأَزْوَاجَ كُلَّهَا } [الزخرف: 12] الآية. وقوله تعالى: { { سُبْحَانَ ٱلَّذِي خَلَق ٱلأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ ٱلأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لاَ يَعْلَمُونَ } [يس: 36]، وقوله تعالى: { { فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّن نَّبَاتٍ شَتَّىٰ } [طه: 53] الآية. وقوله تعالى: { { لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ } [الحجر: 88] إلى غير ذلك من الآيات.
فقوله تعالى: { ٱحْشُرُواْ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ وَأَزْوَاجَهُمْ } أي اجمعوا الظالمين وأشباههم ونظراءهم، فاهدوهم إلى النار ليدخلها جميعهم، وبذلك تعلم أن قول من قال: المراد بأزواجهم نساؤهم اللاتي على دينهم خلاف الصواب. وقوله تعالى: { وَمَا كَانُواْ يَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ } أي احشروا مع الكفار الشركاء التي كانوا يعبدونها من دون الله ليدخل العابدون والمعبودات جميعاً النار كما أوضح ذلك بقوله تعالى:
{ { إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ لَوْ كَانَ هَـٰؤُلاۤءِ آلِهَةً مَّا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ } [الأنبياء: 98ـ99] وقد بيّن تعالى أن الذين عبدوا من دون الله من الأنبياء، والملائكة، والصالحين كعيسى وعزير خارجون عن هذا، وذلك في قوله تعالى: { { إِنَّ ٱلَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِّنَّا ٱلْحُسْنَىٰ أُوْلَـٰئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ } [الأنبياء: 101] إلى قوله: { { هَـٰذَا يَوْمُكُمُ ٱلَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ } [الأنبياء: 103]، وأشار إلى ذلك في قوله تعالى: { { وَلَمَّا ضُرِبَ ٱبْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ وَقَالُوۤاْ أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاَ بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ إِنْ هُوَ إِلاَّ عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ } [الزخرف: 57ـ59] الآية. وقوله تعالى: { { أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَىٰ رَبِّهِمُ ٱلْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ } [الإسراء: 57] الآية.
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: { فَٱهْدُوهُمْ } من الهدي العام: أي دلّوهم وأرشدوهم إلى صراط الجحيم أي طريق النار ليسلكوها إليها، والضمير في قوله تعالى: { فَٱهْدُوهُمْ } راجع إلى الثلاثة أعني الذين ظلموا، وأزواجهم وما كانوا يعبدون من دون الله.
وقد دلت هذه الآية أن الهدي يستعمل في الإرشاد والدلالة على الشر، ونظير ذلك في القرآن قوله:
{ { كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَن تَوَلاَّهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَىٰ عَذَابِ ٱلسَّعِيرِ } [الحج: 4] ولذلك كان للشرِّ أئمة يؤتم بهم فيه كقوله تعالى: { { وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى ٱلنَّارِ } [القصص: 41] الآية.