التفاسير

< >
عرض

وَكَذَلِكَ مَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَآ إِنَّا وَجَدْنَآ ءَابَآءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ ءَاثَارِهِم مُّقْتَدُونَ
٢٣
قَٰلَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَىٰ مِمَّا وَجَدتُّمْ عَلَيْهِ آبَآءَكُمْ قَالُوۤاْ إِنَّا بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ
٢٤
-الزخرف

أضواء البيان في تفسير القرآن

قوله تعالى: { وَكَذَلِكَ مَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَآ إِنَّا وَجَدْنَآ آبَآءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ قُلْ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَىٰ مِمَّا وَجَدتُّمْ عَلَيْهِ آبَآءَكُمْ }.
وقد قدمنا الآيات الموضحة له في سورة قد أفلح المؤمنون، في الكلام على قوله تعالى
{ { ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى كُلَّ مَا جَآءَ أُمَّةً رَّسُولُهَا كَذَّبُوهُ } [المؤمنون: 44] الآية.
وفي سورة الأنعام في الكلام على قوله تعالى:
{ { وَكَذٰلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجَرِمِيهَا } [الأنعام: 123]، وقوله تعالى: { قُلْ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَىٰ مِمَّا وَجَدتُّمْ عَلَيْهِ آبَآءَكُمْ } [الزخرف: 24].
قرأه نافع وابن كثير وأبو عمرو وحمزة والكسائي وشعبة عن عاصم: قُلْ أو لو جئتكم بضم القاف وسكون اللام بصيغة الأمر.
وقرأه ابن عامر وحفص عن عاصم، قَالَ أو لو جئتكم بفتح القاف واللام بينهما ألف بصيغة الفعل الماضي.
فعلى قراءة الجمهور فالمعنى قل لهم يا نبي الله أتقتدون بآبائكم في الكفر والضلال، ولو جئتكم بأهدى، أي بدين أهدى مما وجدتم عليه آبائكم، وصيغة التفضيل هنا لمطلق الوصف لأن آباءهم لا شيء عندهم من الهداية أصلاً.
وعلى قراءة ابن عامر وحفص: فالمعنى قال هو: أي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد أوضحنا هذا المعنى بشواهده العربية مراراً في هذا الكتاب المبارك.
وما تضمنته هذه الآية الكريمة من تسفيه رأي الكفار وبيان شدة ضلالهم في تقليدهم آباءهم هذا التقليد الأعمى، جاء موضحاً في آيات كثيرة كقوله تعالى في البقرة:
{ { وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ٱتَّبِعُوا مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَآ أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَآءَنَآ أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ } [البقرة: 170]، وكقوله تعالى في المائدة: { { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَىٰ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَإِلَى ٱلرَّسُولِ قَالُواْ حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَآ أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ } [المائدة: 104].
وأوضح تعالى في آية لقمان أن ما وجدوا عليه آباءهم من الكفر والضلال طريق من طرق الشيطان يدعوهم بسلوكها إلى عذاب السعير، وذلك في قوله تعالى:
{ { وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ٱتَّبِعُواْ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَآءَنَا أَوَلَوْ كَانَ ٱلشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَىٰ عَذَابِ ٱلسَّعِيرِ } [لقمان: 21] كقوله تعالى: { { إِنَّهُمْ أَلْفَوْاْ آبَآءَهُمْ ضَآلِّينَ فَهُمْ عَلَىٰ آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ } [الصافات: 69-70]، وقوله تعالى: { { وَلَقَدْ آتَيْنَآ إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَـٰذِهِ ٱلتَّمَاثِيلُ ٱلَّتِيۤ أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ قَالُواْ وَجَدْنَآ آبَآءَنَا لَهَا عَابِدِينَ قَالَ لَقَدْ كُنتُمْ أَنتُمْ وَآبَآؤُكُمْ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } [الأنبياء: 51-54] والآيات بمثل ذلك كثيرة.