قوله تعالى: { مَّثَلُ ٱلْجَنَّةِ ٱلَّتِي وُعِدَ ٱلْمُتَّقُونَ فِيهَآ أَنْهَارٌ مِّن مَّآءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِّن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِين }. الآية.
أنهار الماء، وأنهار الخمر التي ذكرها الله في هذه الآية بين بعض صفاتها، في آيات أخرى كقوله تعالى: { تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ } [البقرة: 25-266] في آيات كثيرة، وقوله { وَمَآءٍ مَّسْكُوبٍ } [الواقعة: 31]. وقوله: { إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِي ظِلاَلٍ وَعُيُونٍ } [المرسلات:41] وقوله { فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ } [الغاشية: 12]، وقد بين تعالى من صفات خمر الجنة أنها لا تسكر شاربها، ولا تسبب له الصداع الذي هو وجع الرأس في آيات من كتابه كقوله تعالى: { لاَّ يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلاَ يُنزِفُونَ } [الواقعة: 19]، وقوله { لاَ فِيهَا غَوْلٌ وَلاَ هُمْ عَنْهَا يُنزَفُونَ } [الصافات: 47].
وقد قدمنا معنى هذه الآيات بإيضاح في سورة المائدة في الكلام على قوله تعالى { إِنَّمَا ٱلْخَمْرُ وَٱلْمَيْسِرُ وَٱلأَنصَابُ وَٱلأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ ٱلشَّيْطَانِ فَٱجْتَنِبُوهُ } [المائدة: 90] الآية. وقوله تعالى في الآية الكريمة { غَيْرِ آسِنٍ } أي غير متغير اللون ولا الطعم. والآسن والآجن معناهما واحد، ومنه قول ذي الرمة:
ومنهل آجن قفر محاضره تذروا الرياح على جماته البعرا
وقول الراجز:
ومنهل فيه الغراب ميت كأنه من الأجون زيت
سقيت منها القوم واستقيت
وبما ذكرنا تعلم أن قوله: غير آسن كقوله: من لبن لم يتغير طعمه.
قوله تعالى: { وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَاتِ }.
قد بين تعالى في سورة البقرة أن الثمار التي يرزقها أهل الجنة يشبه بعضها بعضاً في الجودة والحسن والكمال، ليس فيها شيء رديء، وذلك في قوله تعالى: { كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقاً قَالُواْ هَـٰذَا ٱلَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهاً } [البقرة: 25].
قوله تعالى: { وَسُقُواْ مَآءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَآءَهُم }.
قد قدمنا الآيات الموضحة له في سورة الحج، في الكلام على قوله تعالى: { يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُءُوسِهِمُ ٱلْحَمِيمُ يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ } [الحج: 19-20] الآية.