التفاسير

< >
عرض

وَٱلطُّورِ
١
وَكِتَابٍ مَّسْطُورٍ
٢
فِي رَقٍّ مَّنْشُورٍ
٣
وَٱلْبَيْتِ ٱلْمَعْمُورِ
٤
وَٱلسَّقْفِ ٱلْمَرْفُوعِ
٥
وَٱلْبَحْرِ ٱلْمَسْجُورِ
٦
إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ
٧
مَّا لَهُ مِن دَافِعٍ
٨
-الطور

أضواء البيان في تفسير القرآن

هذه الأقسام التي أقسم الله بها تعالى في أول هذه السورة الكريمة أقسم ببعضها بخصوصه، وأقسم بجميعها في آية عامة لها ولغيرها.
أما الذي أقسم به منها إقساماً خاصاً فهو الطور، والكتاب المسطور، والسقف المرفوع، والأظهر أن الطور الجبل الذي كلم الله عليه موسى، وقد أقسم الله تعالى بالطور في قوله:
{ وَٱلتِّينِ وَٱلزَّيْتُونِ وَطُورِ سِينِينَ } [التين: 1-2].
والأظهر أن الكتاب المسطور هو القرآن العظيم، وقد أكثر الله من الإقسام به في كتابه كقوله تعالى:
{ حـمۤ وَٱلْكِتَابِ ٱلْمُبِينِ } [الزخرف: 1-2] وقوله تعالى: { يسۤ وَٱلْقُرْآنِ ٱلْحَكِيمِ } [يس: 1-2] وقيل هو كتاب الأعمال، وقيل غير ذلك،{ وَٱلسَّقْفِ ٱلْمَرْفُوع }: هو السماء، وقد أقسم الله بها في كتابه في آيات متعددة كقوله: { وَٱلسَّمَآءِ ذَاتِ ٱلْحُبُكِ } [الذاريات: 7] وقوله: { وَٱلسَّمَآءِ ذَاتِ ٱلْبُرُوجِ } [البروج: 1] وقوله تعالى: { وَٱلسَّمَآءِ وَمَا بَنَاهَا } [الشمس: 5]، والرق بفتح الراء كل ما يكتب فيه من صحيفة وغيرها، وقيل هو الجلد المرقق ليكتب فيه. وقوله: { مَّنشُورٍ } أي مبسوط، ومنه قوله: { كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنْشُوراً } [الإسراء: 13]. وقوله: { بَلْ يُرِيدُ كُلُّ ٱمْرِىءٍ مِّنْهُمْ أَن يُؤْتَىٰ صُحُفاً مُّنَشَّرَةً } [المدثر: 52] { وَٱلْبَيْتِ ٱلْمَعْمُورِ }. "هو البيت المعروف في السماء المسمى بالضراح بضم الضاد، وقيل فيه معمور، لكثرة ما يغشاه من الملائكة المتعبدين، فقد جاء الحديث أنه يزوره كل يوم سبعون ألف ملك، ولا يعودون إليه بعدها".
وقوله: { وَٱلْبَحْرِ ٱلْمَسْجُورِ } فيه وجهان من التفسير للعلماء. أحدهما أن المسجور هو الموقد ناراً. قالوا: وسيضطرم البحر يوم القيامة ناراً، من هذا المعنى قوله تعالى:
{ ثُمَّ فِي ٱلنَّارِ يُسْجَرُونَ } [غافر: 72]
الوجه الثاني: هو أن المسجور بمعنى المملوء، لأنه مملوء ماء، ومن إطلاق المسجور على المملوء قول لبيد بن ربيعة في معلقته:

فتوسطا عرض السرى وصدعا مسجورة متجاوراً قلامها

فقوله: مسجورة أي عيناً مملوءة ماء، وقول النمر بن تولب العكلي:

إذا شاء طالع مسجورة ترى حولها النبع والساسما

وهذان الوجهان المذكوران في معنى المسجور هما أيضاً في قوله { وَإِذَا ٱلْبِحَارُ سُجِّرَتْ } [التكوير: 6]، وأما الآية العامة التي أقسم فيها تعالى بما يشمل جميع هذه الأقسام وغيرها، فهي قوله تعالى: { فَلاَ أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ وَمَا لاَ تُبْصِرُونَ } [الحاقة: 38-39]، لأن الإقسام في هذه الآية عامة في كل شيء.
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: { إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ }، قد قدمنا الآيات الموضحة له في أول الذاريات، وفي غير ذلك من المواضع.