التفاسير

< >
عرض

فَنَادَوْاْ صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَىٰ فَعَقَرَ
٢٩
-القمر

أضواء البيان في تفسير القرآن

قوله: { فَتَعَاطَىٰ }، قال أبو حيان في البحر: فتعاطى هو مطاوع عاطا، وكأن هذه الفعلة تدافعها الناس وعاطاها بعضهم بعضاً، فتعاطاها قدار وتناول العقر بيده. انتهى محل الغرض منه.
والعرب تقول: تعاطى كذا إذا فعله أو تناوله، وعاطاه إذا تناوله، ومنه قول حسان رضي الله عنه:
_@_

كلتاهما حلب العصير فعاطني بزجاجة أرخاهما للمفصل

وقوله: { فَعَقَرَ } أي تعاطى عقر الناقة فعقرها، فمفعولا الفعلين محذوفان تقديرهما كما ذكرنا، وعبر عن عاقر الناقة هنا بأنه صاحبهم، وعبر عنه في الشمس بأنه أشقاهم وذلك في قوله: { إِذِ ٱنبَعَثَ أَشْقَاهَا } [الشمس: 12].
وهذه الآية الكريمة تشير إلى إزالة إشكال معروف في الآية، وإيضاح ذلك أن الله تعالى فيها نسب العقر لواحد لا لجماعة، لأنه نال: فتعاطى فعقر، بالإفراد مع أنه أسند عقر الناقة في آيات أخر إلى ثمود كلهم كقوله في سورة الأعراف:
{ فَعَقَرُواْ ٱلنَّاقَةَ وَعَتَوْاْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ } [الاعراف: 77] الآية، وقوله تعالى في هود { فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُواْ فِي دَارِكُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ } [هود: 65] وقوله في الشعراء: { فَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُواْ نَادِمِينَ } [الشعراء: 157] وقوله في الشمس: { فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا } [الشمس: 14].
ووجه إشارة الآية إلى إزالة هذا الإشكال هو أن قوله تعالى:
{ فَنَادَوْاْ صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَىٰ فَعَقَرَ } [القمر: 29] يدل على أن ثمود اتفقوا كلهم على عقر الناقة، فنادوا واحداً منهم لينفذ ما اتفقوا عليه، أصالة عن نفسه ونيابة عن غيره. ومعلوم أن المتمالئين على العقر كلهم عاقرون، وصحت نسبة العقر إلى المنفذ المباشر للعقر، وصحت نسبته أيضاً إلى الجميع، لأنهم متمالئون كما دل عليه ترتيب تعاطي العقر بالفاء في قوله: فتعاطا فعقر على ندائهم صاحبهم لينوب عنهم في مباشرة العقر في قوله تعالى: { فَنَادَوْاْ صَاحِبَهُمْ } أي نادوه ليعقرها.
وجمع بعض العلماء بين هذه الآيات بوجه آخر، وهو أن إطلاق المجموع مراداً به بعضه أسلوب عربي مشهور، وهو كثير في القرآن وفي كلام العرب.
وقد قدمنا في سورة الحجرات أن منه قراءة حمزة في قوله تعالى:
{ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَٱقْتُلُوهُم } [البقرة: 191] بصيغة المجرد في الفعلين لأن من قتل ومات لا يمكن أن يؤمر بقتل قاتله، بل المراد في إن قتلوا بعضكم فليقتلهم بعضكم الآخر، ونظيره قول ابن مطيع:

فإن تقتلونا عند حرة واقم فإنا على الإسلام أول من قتل

أي فإن تقتلوا بعضنا، وأن منه أيضاً: { قَالَتِ ٱلأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُواْ } [الحجرات: 14] لأن هذا في بعضهم دون بعض. بدليل قوله تعالى: { وَمِنَ ٱلأَعْرَابِ مَن يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ } [التوبة: 99] - إلى قوله - { سَيُدْخِلُهُمُ ٱللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } [التوبة: 99].
وقد قدمنا في الحجرات وغيرها، أن من أصرح الشواهد العربية في ذلك قول الشاعر:

فسيف بني عبس وقد ضربوا به نبا بيدي ورقاء عن رأس خالد

وقوله تعالى: { فَعَقَرَ }: أي قتلها. والعرب تطلق العقر على القتل والنحر والجرح ومنه قول امرئ القيس:

تقول وقد مال الغبيط بنا معاً عقرت بعيري يامرأ القيس فانزل

ومن إطلاق العقر على نحر الإبل لقري الضيق قول جرير:

تعدون عقر الذيب أفضل مجدكم بني ضوطرا لولا الكمي المقنعا