التفاسير

< >
عرض

خَلَقَ ٱلإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ كَٱلْفَخَّارِ
١٤
وَخَلَقَ ٱلْجَآنَّ مِن مَّارِجٍ مِّن نَّارٍ
١٥
-الرحمن

أضواء البيان في تفسير القرآن

الصلصال: الطين اليابس الذي تسمع له صلصلة، أي صوت إذا قرع بشيء، وقيل الصلصال المنتن، والفخار الطين المطبوخ، وهذه الآية بين الله فيها طوراً من أطوار التراب الذي خلق منه آدم، فبين في آيات أنه خلقه من تراب كقوله تعالى: { إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ ٱللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ } [آل عمران: 59] وقوله تعالى: { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ ٱلْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِّن تُرَابٍ } [الحج: 5] وقوله تعالى: { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِّن تُرَابٍ ثُمَّ إِذَآ أَنتُمْ بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ } [الروم: 20] وقوله تعالى { هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ } [غافر: 67] وقوله تعالى { مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ } [طه: 55].
وقد بينا في قوله تعالى: { فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِّن تُرَابٍ } وقوله { مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ } أن المراد بخلقهم منها هو خلق أبيهم آدم منها، لأنه أصلهم وهم فروعه، ثم إن الله تعالى عجن هذا التراب بالماء فصار طيناً، ولذا قال
{ ٱسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إَلاَّ إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً } [الإسراء: 61] وقال { وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنْسَانَ مِن سُلاَلَةٍ مِّن طِينٍ } [المؤمنون: 12] وقال تعالى: { وَبَدَأَ خَلْقَ ٱلإِنْسَانِ مِن طِينٍ } [السجدة: 7]. وقال { أَم مَّنْ خَلَقْنَآ إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّن طِينٍ لاَّزِبٍ } [الصافات: 11] وقال تعالى: { إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِّن طِينٍ } [ص: 71] ثم خمر هذا الطين فصار حمأً مسنوناً، أي طيناً أسود متغير الريح، كما قال تعالى { وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ } [الحجر: 26] الآية. قال تعالى: { إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِّن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ } [الحجر: 28] وقال عن إبليس { قَالَ لَمْ أَكُن لأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ } [الحجر: 33] والمسنون قيل المتغير وقيل المصور وقيل الأملس، ثم يبس هذا الطين فصار صلصالاً. كما قال هنا: { خَلَقَ ٱلإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ كَٱلْفَخَّارِ } [الرحمن: 14] وقال { وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ } [الحجر: 26].
فالآيات يصدق بعضها بعضاً، ويتبين فيها أطوار ذلك التراب كما لا يخفى.
قوله { وَٱلْجَآنَّ } أي وخلق الجان وهو أبو الجن، وقيل هو إبليس. وقيل: هو الواحد من الجن.
وعليه فالألف واللام للجنس، والمارج: اللهب الذي لا دخان فيه، وقوله { مِّن نَّارٍ } بيان لمارج. أي من لهب صاف كائن من النار.
وما تضمنته هذه الآية الكريمة من أنه تعالى خلق الجان من النار، جاء موضحاً في غير هذا الموضع كقوله تعالى في الحجر
{ وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ وَٱلْجَآنَّ خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ مِن نَّارِ ٱلسَّمُومِ } [الحجر: 26-27] وقوله تعالى { قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ } [الأعراف: 12].
وقد أوضحنا الكلام على هذا في سورة البقرة في الكلام على قوله تعالى:
{ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَٱسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ ٱلْكَافِرِينَ } [البقرة: 34].