التفاسير

< >
عرض

وَكُنتُمْ أَزْوَاجاً ثَلاَثَةً
٧
فَأَصْحَابُ ٱلْمَيْمَنَةِ مَآ أَصْحَابُ ٱلْمَيْمَنَةِ
٨
وَأَصْحَابُ ٱلْمَشْأَمَةِ مَآ أَصْحَابُ ٱلْمَشْأَمَةِ
٩
-الواقعة

أضواء البيان في تفسير القرآن

قوله تعالى: { وَكُنتُمْ أَزْوَاجاً ثَلاَثَةً }.
أي صرتم أزواجاً ثلاثة،والعرب تطلق كان بمعنى صار، ومنه
{ وَلاَ تَقْرَبَا هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ ٱلْظَّالِمِينَ } .[البقرة: 35] أي فتصيرا من الظالمين.
ومنه قول الشاعر:

بتيهاء قفر والمطي كأنها قطا الحزن قد كانت فراخاً بيوضها

وقوله: { أَزْوَاجاً }: أي أصنافاً ثلاثة، ثم بين هذه الأزواج الثلاثة بقوله: { فَأَصْحَابُ ٱلْمَيْمَنَةِ مَآ أَصْحَابُ ٱلْمَيْمَنَةِ وَأَصْحَابُ ٱلْمَشْأَمَةِ مَآ أَصْحَابُ ٱلْمَشْأَمَةِ ٱلسَّابِقُونَ ٱلسَّابِقُونَ أُوْلَـٰئِكَ ٱلْمُقَرَّبُونَ فِي جَنَّاتِ ٱلنَّعِيمِ } [الواقعة: 8-12] أما أصحاب الميمنة فهم أصحاب اليمين، كما أوضحه تعالى بقوله: { وَأَصْحَابُ ٱلْيَمِينِ مَآ أَصْحَابُ ٱلْيَمِينِ فِي سِدْرٍ مَّخْضُودٍ } [الواقعة: 27-28] الآيات، وأصحاب المشأمة هم أصحاب الشمال كما أوضحه تعالى: بقوله { وَأَصْحَابُ ٱلشِّمَالِ مَآ أَصْحَابُ ٱلشِّمَالِ فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ } [الواقعة: 41-42] الآيات.
قال بعض العلماء: قيل لهم أصحاب اليمين لأنهم يؤتون كتبهم بأيمانهم.
وقيل: لأنهم يذهب بهم ذات اليمين إلى الجنة.
وقيل: لأنهم عن يمين أبيهم آدم، كما رأهم النبي صلى الله عليه وسلم كذلك ليلة الإسراء.
وقيل سموا أصحاب اليمين، وأصحاب الميمنة لأنهم ميامين، أي مباركون على أنفسهم، لأنهم أطاعوا ربهم فدخلوا الجنة، واليمن البركة.
وسمي الآخرون أصحاب الشمال، وقيل: لأنهم يؤتون كتبهم بشمائلهم.
وقيل: لأنهم يذهب بهم ذات الشمال إلى النار، والعرب تسمي الشمال شؤماً، كما تسمي اليمين يميناً، ومن هنا قيل لهم أصحاب المشأمة أو لأنهم مشائيم على أنفسهم: فعصوا الله فأدخلهم النار، والمشائيم ضد الميامين، ومنه قول الشاعر:

مشائيم ليسوا مصلحين عشيرة ولا ناعب إلا بين غرابها

وبين جل وعلا أن السابقين هم المقربون، وذلك في قوله: { وَٱلسَّابِقُونَ ٱلسَّابِقُونَ أُوْلَـٰئِكَ ٱلْمُقَرَّبُونَ } [الواقعة: 10-11]، وهذه الأزواج الثلاثة المذكورة هي وجزاؤها في أول هذه السورة الكريمة جاءت هي وجزاؤها أيضاً في آخرها، وذلك في قوله: { فَأَمَّآ إِن كَانَ مِنَ ٱلْمُقَرَّبِينَ فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّاتُ نَعِيمٍ وَأَمَّآ إِن كَانَ مِنْ أَصْحَابِ ٱلْيَمِينِ فَسَلاَمٌ لَّكَ مِنْ أَصْحَابِ ٱلْيَمِينِ وَأَمَّآ إِن كَانَ مِنَ ٱلْمُكَذِّبِينَ ٱلضَّآلِّينَ فَنُزُلٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ } [الواقعة: 88-94].
والمكذبون هم أصحاب المشأمة وهم أصحاب الشمال.
وذكر تعالى بعض صفات أصحاب الميمنة والمشأمة في البلد في قوله تعالى:
{ فَكُّ رَقَبَةٍ أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ } [البلد: 13-15] - إلى قوله تعالى - { أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلْمَيْمَنَةِ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا هُمْ أَصْحَابُ ٱلْمَشْأَمَةِ عَلَيْهِمْ نَارٌ مُّؤْصَدَةُ } [البلد: 18-20].
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: { مَآ أَصْحَابُ ٱلْمَيْمَنَةِ } [الواقعة: 8]، وقوله: { مَآ أَصْحَابُ ٱلْمَشْأَمَةِ } [الواقعة: 9] استفهام أريد به التعجب من شأن هؤلاء في السعادة، وشأن هؤلاء في الشقاوة، والجملة فيهما مبتدأ وخبر، وهي خبر المبتدأ قبله، وهو أصحاب الميمنة في الأول وأصحاب المشأمة في الثاني.
وهذا الأسلوب يكثر في القرآن نحو
{ ٱلْحَاقَّةُ مَا ٱلْحَآقَّةُ } [الحاقة: 1-2]، { ٱلْقَارِعَةُ مَا ٱلْقَارِعَةُ } [القارعة: 1-2]. والرابط في جملة الخبر في جميع الآيات المذكورة هو إعادة لفظ المبتدأ في جملة الخبر كما لا يخفى، وقوله: { وَٱلسَّابِقُونَ } لم يذكر فيه استفهام تعجب كما ذكره فيما قبله، ولكنه ذكر في مقابلة تكرير لفظ السابقين.
والأظهر في إعرابه أنه مبتدأ وخبر على عادة العرب في تكريرهم اللفظ وقصدهم الإخبار بالثاني عن الأول، يعنون أن اللفظ المخبر عنه هو المعروف خبره الذي لا يحتاج إلى تعريف ومنه قول أبي النجم:

أنا أبو النجم وشعري شعري لله درى ما أجن صدري

فقوله: وشعري شعري يعني شعري هو الذي بلغك خبره، وانتهى إليك وصفه.