التفاسير

< >
عرض

إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ حَقُّ ٱلْيَقِينِ
٩٥
فَسَبِّحْ بِٱسْمِ رَبِّكَ ٱلْعَظِيمِ
٩٦
-الواقعة

أضواء البيان في تفسير القرآن

أخبر الله تعالى في هذه الآية الكريمة، وأكد إخباره بأن هذا القرآن العظيم هو حق اليقين، وأمر نبيه بعد ذلك بأن يسبح باسم ربه العظيم.
وهذا الذي تضمنته هذه الآية ذكره الله جل وعلا في آخر سورة الحاقة في قوله في وصفه للقرآن
{ وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ وَإِنَّهُ لَحَقُّ ٱلْيَقِينِ فَسَبِّحْ بِٱسْمِ رَبِّكَ ٱلْعَظِيمِ } [الحاقة: 50-52]، والحق هو اليقين.
وقد قدمنا أن إضافة الشيء إلى نفسه مع اختلاف اللفظين أسلوب عربي، وذكرنا كثرة وروده في القرآن وفي كلام العرب، ومنه في القرآن قوله تعالى
{ وَلَدَارُ ٱلآخِرَةِ } [يوسف: 109] ولدار هي الآخرة وقوله { وَمَكْرَ ٱلسَّيِّىءِ } [فاطر: 43]، والمكر هو السيىء بدليل قوله بعده: { وَلاَ يَحِيقُ ٱلْمَكْرُ ٱلسَّيِّىءُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ } [فاطر: 43].
وقوله:
{ مِنْ حَبْلِ ٱلْوَرِيدِ } [ق: 16] والحبل هو الوريد، وقوله: { شَهْرُ رَمَضَانُ } [البقرة: 185] والشهر هو رمضان.
ونظير ذلك من كلام العرب قول امرئ القيس.

كبكر المقانات البياض بصفرة غذاها نمير الماء غير المخلل

والبكر هي المقانات.
وقول عنترة:

ومشك سابغة هتكت فروجها بالسيف عن حامي الحقيقة معلم

لأن مراده بالمشك هنا الدرع بدليل قوله: هتكت فروجها، يعني الدرع، وإن كان أصل المشك لغة السير الذي تشد به الدرع، لأن السير لا تمكن إرادته في بيت عنترة هذا خلافاً لما ظنه صاحب تاج العروس، بل مراد عنترة بالمشك الدرع، وأضافه إلى السابغة التي هي الدرع كا ذكرنا، وإلى هذا يشير ما ذكروه في باب العلم: وعقده في الخلاصة بقوله:

وإن يكونا مفردين فأضف حتماً وإلا أتبع الذي ردف

لأن الإضافة المذكورة من إضافة الشيء إلى نفسه مع اختلاف اللفظين، وقد بينا في كتابنا دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب أن قوله في الخلاصة:

ولا يضاف اسم لما به اتحد معنى وأول موهما إذا ورد

أن الذي يظهر لنا من استقراء القرآن والعربية أن ذلك أسلوب عربي، وأن الاختلاف بين اللفظين كاف في المغايرة بين المضاف والمضاف إليه، وأنه لا حاجة إلى التأويل مع كثرة ورود ذلك في القرآن والعربية.
ويدل له تصريحهم بلزوم إضافة الاسم إلى اللقب إن كانا مفردين نحو سعيد كرز، لأن ما لا بد له من تأويل لا يمكن أن يكون هو اللازم كما ترى، فكونه أسلوباً أظهر.
وقوله { فَسَبِّحْ بِٱسْمِ رَبِّكَ ٱلْعَظِيمِ } التسبيح: أصل الإبعاد عن السوء،وتسبيح الله وتنزيهه عن كل ما لا يليق بكماله وجلاله، وذلك التنزيه واجب له في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله، والظاهر أن الباء في قوله { بِٱسْمِ رَبِّكَ } داخلة على المفعول، وقد قدمنا في سورة مريم في الكلام على قوله تعالى
{ وَهُزِّىۤ إِلَيْكِ بِجِذْعِ ٱلنَّخْلَةِ } [مريم: 25] أدلة كثيرة من القرآن وغيره على دخول الباء على المفعول الذي يتعدى إليه الفعل بنفسه، كقوله { وَهُزِّىۤ إِلَيْكِ بِجِذْعِ ٱلنَّخْلَةِ } [مريم: 25] والمعنى: وهزي جذع النخلة.
وقوله:
{ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ } [الحج: 25] أي إلحاداً إلى آخر ما قدمنا من الأدلة الكثيرة، وعليه، فالمعنى: سبح اسم ربك العظيم كما يوضحه قوله في الأعلى { سَبِّحِ ٱسْمَ رَبِّكَ ٱلأَعْلَىٰ } [الأعلى: 1].
وقال القرطبي: الاسم هنا بمعنى المسمى، أي سبح ربك، وإطلاق الاسم بمعنى المسمى معروف في كلام العرب، ومنه قول لبيد:

إلى الحول ثم اسم السلام عليكما ومن يبك حولاً كاملاً فقد اعتذر

ولا يلزم في نظري أن الاسم بمعنى المسمى هنا لإمكان كون المراد نفس الاسم، لأن أسماء الله ألحد فيها قوم ونزهها آخرون عن كل ما لا يليق، ووصفها الله بأنها بالغة غاية الحسن، وفي ذلك أكمل تنزيه لها لأنها مشتملة على صفاته الكريمة، وذلك في قوله { وَللَّهِ ٱلأَسْمَآءُ ٱلْحُسْنَىٰ فَٱدْعُوهُ بِهَا } [الإسراء: 180] وقوله تعالى: { أَيّاً مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ ٱلأَسْمَآءَ ٱلْحُسْنَىٰ } [الإسراء: 111].
ولسنا نريد أن نذكر كلام المتكلمين في الاسم والمسمى، هل الاسم هو المسمى أولا؟ لأن مرادنا هنا بيان معنى الآية، والعلم عند الله تعالى.