التفاسير

< >
عرض

ٱتَّخَذُوۤاْ أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ إِنَّهُمْ سَآءَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ
٢
-المنافقون

أضواء البيان في تفسير القرآن

قوله تعالى: { ٱتَّخَذُوۤاْ أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً }.
قرئ أيمانهم بفتح الهمزة جمع يمين، وقرئ بكسرها من الإيمان ضد الكفر، أي ما أظهروه من أمور الإسلام.
ومما تقدم أن من أنواع البيان إذا كان في الآية قراءتان، وفيهما ما يرجح إحداهما، وتقدم كلام أبي حيان تخريجه على اليمين.
وللشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه في مذكرة التدريس قوله: الإيمان جمع يمين وهي الحلف والجنة الترس، وهو المجن الذي تتقي به السيوف والنِّبال والسِّهام في الحرب، والمعنى أن المنافقين إذا ظهر شيء من نفاقهم أو سمعت عنهم كلمة كفر، حلفوا بالله أنهم ما قالوا ذلك وما فعلوه، فيجعلون حلفهم ترساً يقيهم من مؤاخذة النَّبي صلى الله عليه وسلم بذنبهم.
كما قال تعالى:
{ يَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ مَا قَالُواْ وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ ٱلْكُفْرِ } [التوبة: 74] الآية.
وقال:
{ وَيَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنكُمْ وَمَا هُم مِّنكُمْ } [التوبة: 56] الآية.
وقال:
{ يَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ } [التوبة: 62] الآية. ونحو ذلك، فهذه نصوص تدل على أنهم يحلفون أيماناً على إيمانهم.
ومن جهة المعنى: أن أيمانهم وحلفهم منصب على دعوى إيمانهم، فلا انفكاك بين اليمين والإيمان، لأنهم يحلفون أنهم مؤمنون، واليمين أخص من الإيمان، وحمله على الأخص يقتضي وجود الأعم، فاحلف على الأيمان يستلزم دعوى الإيمان وزيادة، ومجرد دعوى الإيمان لا يستلزم التأكيد بالإقسام والحلف.
قوله تعالى: { فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّه }.
قال الشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه: أي بسبب اتخاذهم أيمانهم جنة وخفاء كفرهم الباطن، تمكنوا من صدَّ بعض الناس عن سبيل الله، لأن المسلمين يظنونهم إخواناً وهم أعداء. وشر الأعداء من تظن أنه صديق ولذا حذر الله نبيه منهم بقوله:
{ هُمُ ٱلْعَدُوُّ فَٱحْذَرْهُمْ } [المنافقون: 4] وصدهم الناس عن سبيل الله كتعويقهم عن الجهاد. كما بينه بقوله: { قَدْ يَعْلَمُ ٱللَّهُ ٱلْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ وَٱلْقَآئِلِينَ لإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا } [الأحزاب: 18] الآية.
وبقوله:
{ وَقَالُواْ لاَ تَنفِرُواْ فِي ٱلْحَرِّ } [التوبة: 81] الآية.
وقوله:
{ ٱلَّذِينَ قَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُواْ لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا } [آل عمران: 168] الآية.
قوله تعالى: { إِنَّهُمْ سَآءَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُون }.
قال الشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه: ساء فعل جامد لإنشاء الذم بمعنى بئس اهـ.
وقد بين تعالى تلك الإساءة من المنافقين في عدة جهات منها قوله تعالى:
{ يُخَادِعُونَ ٱللَّهَ وَٱلَّذِينَ آمَنُوا } [البقرة: 9].
وقوله:
{ إِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ ٱللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ } [النساء: 142].
وكان خداعهم بالقول وبالفعل، وخداعهم بالقول في قولهم عنهم:
{ يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ } [الفتح: 11].
وخداعهم في الفعل في قوله عنهم:
{ وَإِذَا قَامُوۤاْ إِلَى ٱلصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَىٰ يُرَآءُونَ ٱلنَّاسَ } [النساء: 142].
وفي الجهاد قولهم:
{ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِن يُرِيدُونَ إِلاَّ فِرَاراً } [الأحزاب: 13].