التفاسير

< >
عرض

مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَمَن يُؤْمِن بِٱللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ
١١
وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ فَإِن تَولَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَىٰ رَسُولِنَا ٱلْبَلاَغُ ٱلْمُبِينُ
١٢
-التغابن

أضواء البيان في تفسير القرآن

في هذه الآية الكريمة نص صريح بأن ما يصيب أحداً مصيبة إلا بإذن الله.
ومعلوم أنه كذلك ما يصيب أحداً خير إلا بإذن الله على حد قوله:
{ وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ ٱلْحَرَّ } [النحل: 81] أي والبرد.
ولكن التنصيص على المصيبة هنا ليدل أن كل شيء ينال العبد إنما هو بإذن الله، لأن الجبلة تأبى المصائب وتتوقاها، ومع ذلك تصيبه، وليس في مقدوره دفعها بخلاف الخير، قد يدعي أنه حصله باجتهاد منه كما قال قارون:
{ إِنَّمَآ أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِيۤ } [القصص: 78].
وقوله: { وَمَن يُؤْمِن بِٱللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ } قرئ يهدأ بالهمز من الهدوء، وقلبه بالرفع، وهي بمعنى يهدي قلبه، لأنه يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، فيسترجع فيطمئن قلبه بهذا ولا يجزع، وهذا من خصائص المؤمن.
كما قال صلى الله عليه وسلم
"عجباً لأمر المؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر، فكان خيراً له حتى الشوكة يشاكها في قدمه"
ومثل هذا قوله تعالى: { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ ٱلْخَوفْ وَٱلْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ ٱلأَمَوَالِ وَٱلأَنفُسِ وَٱلثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ ٱلصَّابِرِينَ ٱلَّذِينَ إِذَآ أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا للَّهِ وَإِنَّـآ إِلَيْهِ رَاجِعونَ أُولَـٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُهْتَدُونَ } [البقرة: 155-157].
أي إلى ما يلزمهم من امتثال وصبر ولذا جاء بعدها { وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ } [التغابن: 12].
ومن ناحية أخرى يقال: إن قوله تعالى: { مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ } والكفر أعظم المصائب، ومن يؤمن بالله يهد قلبه.
والإيمان بالله أعظم النعم، فيقول قائل: إن كان كل ذلك بإذن الله، فما ذنب الكافر وما فضل المؤمن، فجاء قوله تعالى: { وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُول } [التغابن: 12] بياناً لما يلزم العبد، وهو طاعة الرسل فيما جاءوا به، ولا يملك سوى ذلك.
وفي قوله تعالى: { يَهْدِ قَلْبِهُ } من نسبة الهداية إلى القلب بيان لقضية الهداية العامة والخاصة، كما قالوا في قوله تعالى عنه صلى الله عليه وسلم:
{ وَإِنَّكَ لَتَهْدِيۤ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } [الشورى: 52] مع قوله تعالى: { إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَآءُ } [القصص: 56].
فقالوا: الهداية الأولى دلالة إرشاد كقوله تعالى:
{ وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَٱسْتَحَبُّواْ ٱلْعَمَىٰ عَلَى ٱلْهُدَىٰ } [فصلت: 17].
والثانية: هداية توفيق وإرشاد ويشهد لذلك شبه الهداية من الله لقلب من يؤمن بالله، وقوله تعالى { وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ } [التغابن: 12] بتكرار فعل الطاعة يدل على طاعة الرسول تلزم مستقلة.
وقد جاءت السنة بتشريعات مستقلة وبتخصيص القرآن ونحو ذلك، كما تقدم عند قوله تعالى:
{ وَمَآ آتَاكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ } [الحشر: 7].
ومما يشهد لهذا قوله تعالى:
{ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِي ٱلأَمْرِ مِنْكُمْ } [النساء: 59]، فكرر الفعل بالنسبة لله وللرسول ولم يكرره بالنسبة لأُولِي الأمْر، لأن طاعتهم لا تكون استقلالاً بل تبعاً لطاعة الله وطاعة رسوله، كما في الحديث: "لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق" .