التفاسير

< >
عرض

فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ مَا ٱسْتَطَعْتُمْ وَٱسْمَعُواْ وَأَطِيعُواْ وَأَنْفِقُواْ خَيْراً لأَنفُسِكُمْ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ
١٦
-التغابن

أضواء البيان في تفسير القرآن

قوله تعالى: { فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ مَا ٱسْتَطَعْتُمْ }.
يفهم منه أن التكليف في حدود الاستطاعة، ويبينه قوله تعالى:
{ لاَ يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا } [البقرة: 286].
وقوله تعالى:
{ رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ } [البقرة: 286].
وفي الحديث: قال الله قد فعلت. وهذا في الأوامر دون النواهي، لأن النواهي تروك.
كما جاء في السنة
"ما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم، وما نهيتكم عنه فاجتنبوه" ، وهذا من خصائص هذه الأمة.
كما تقدم للشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه، عند أواخر سورة البقرة، وتحقيق ذلك في رخص الصلاة والصيام ونحوهما.
قوله تعالى: { وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ }.
قالوا: الشح، أخص من البخل، وقيل البخل: أن تضن بمالك، والشح أن تضن بمال غيرك، والواقع أن الشح منتهى البخل. وإن ذكره هنا بعد قضايا الأزواج والأولاد وفتنتهم وعداوتهم، ثم الأمر بالسمع والطاعة والإنفاق في قوله: { وَٱسْمَعُواْ وَأَطِيعُواْ وَأَنْفِقُواْ خَيْراً لأَنفُسِكُمْ } يشعر بأن أكثر قضايا الزوجية منشؤها من جانب المال حرصاً عليه أو بخلاً به، حرصاً عليه بالسعي إليه بسببهم، فقد يفتن في ذلك، وشحاً به بعد تحصيله فقد يعادونه فيه.
والعلاج الناجع في ذلك كله الإنفاق وتوقي الشح، والشح من جبلة النفس
{ وَأُحْضِرَتِ ٱلأنْفُسُ ٱلشُّحَّ } [النساء: 128] وفي إضافة الشح إلى النفس مع إضافة الهداية فيما تقدم إلى القلب سر لطيف، وهو أن الشح جبلة البشرية. والهداية منحة إلهية، والأولى قوة حيوانية، والثانية قوة روحية.
فعلى المسلم أن يغالب بالقوة الروحية ما جبل عليه من قوة بشرية لينال الفلاح والفوز، كما أشار تعالى بقوله:
{ ٱلْمَالُ وَٱلْبَنُونَ زِينَةُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } [الكهف: 46].
ثم قال:
{ وَٱلْبَاقِيَاتُ ٱلصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً } [الكهف: 46].
قوله تعالى: { وَٱسْمَعُواْ وَأَطِيعُوا }.
أي لا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وعصينا، ولا كقوم نوح الذين قال عنهم:
{ وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوۤاْ أَصَابِعَهُمْ فِيۤ آذَانِهِمْ وَٱسْتَغْشَوْاْ ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّواْ وَٱسْتَكْبَرُواْ ٱسْتِكْبَاراً } [نوح: 7].
وقد ندد بقول الكفار:
{ لاَ تَسْمَعُواْ لِهَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ وَٱلْغَوْاْ فِيهِ } [فصلت: 26].
قال الشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه: اسمعوا ما يقال لكم وأطيعوا فيما سمعتم، لا كمن قبلكم المشار إليهم بالآيات المتقدمة.