التفاسير

< >
عرض

إِن تَتُوبَآ إِلَى ٱللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاَهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلاَئِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ
٤
-التحريم

أضواء البيان في تفسير القرآن

قوله تعالى: { إِن تَتُوبَآ إِلَى ٱللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا }.
أطلقت التوبة هنا وقيدت في الأية بعدها بأنها توبة نصوح، في قوله تعالى:
{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ تُوبُوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحاً } [التحريم: 8].
وحقيقة التوبة النصوح وشروطها وآثارها تقدم للشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه، عند قوله تعالى:
{ وَتُوبُوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا ٱلْمُؤْمِنُونَ } [النور: 31].
وقوله تعالى: { فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا }.
قال الشيخ في إملائه: صغت: بمعنى مالت ورضيت وأحبت ما كره رسول الله صلى الله عليه وسلم اهـ.
وقال: وقلوبكما جمع مع أنه لاثنتين هما حفصة وعائشة، فقيل لأن المعنى معلوم والجمع أخف من المثنى إذا أضيف. وقيل هو مما استدل به على أن أقل الجمع اثنين كما في الميراث في قوله
{ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ } [النساء: 11].
وجواب الشرط في قوله تعالى: { إِن تَتُوبَآ } محذوف تقديره، فقال واجب عليكما، لأن قلوبكما مالت إلى ما لا يحبه رسول الله صلى الله عليه وسلم اهـ.
وقدره القرطبي بذلك خير لكم ومعناهما متقارب.
قوله تعالى: { وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاَهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلاَئِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ }.
قال أبو حيان: الوقف على مولاه، وتكون الولاية خاصة بالله، ويكون جبريل مبتدأ وما بعده عطف عليه، وظهير خبر، وعليه يكون جبريل ذكر مرتين بالخصوص أولاً وبالعموم ثانياً.
وقيل: الوقف على وجبريل معطوفاً على لفظ الجلالة في الولاية، ثم ابتدئ بصالح المؤمنين وعطف عليهم الملائكة، ويدخل فيهم جبريل ضمناً اهـ.
فعلى الوقف الأول يكون درج صالح المؤمنين بين جبريل وبين الملائكة تنبيهاً على علو منزلة صالح المؤمنين، وبيان منزلتهم من عموم الملائكة بعد جبريل، وعلى الوقف الثاني فيه عطف جبريل على لفظ الجلالة في الولاية بالواو، وليس فيه ما يوهم التعارض مع الحديث في ثم إذ محل العطف هو الولاية، وهي قدر ممكن من الخلق ومن الله تعالى كما في قوله تعالى:
{ هُوَ ٱلَّذِيۤ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِٱلْمُؤْمِنِينَ } [الأنفال: 62] لأن النصر يكون من الله ويكون من العباد، من باب الأخذ بالأسباب { إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ ٱللَّهُ } [التوبة: 40].
وكما في قوله تعالى:
{ وَيَنصُرُونَ ٱللَّهُ وَرَسُولَهُ } [الحشر: 8].
وقوله:
{ َ مَنْ أَنصَارِيۤ إِلَى ٱللَّهِ } [آل عمران: 52] بخلاف سياق الحديث، فقد كان في موضوع المشيئة حينما قال الأعرابي: ما شاء الله وشئت. فقال له صلى الله عيله وسلم: "أجعلتني لله ندا؟ قل ما شاء الله وحده" لأن حقيقة المشيئة لله تعالى وحده كما في قوله: { وَمَا تَشَآءُونَ إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ } [التكوير: 29].
وكقوله:
{ بَل لِلَّهِ ٱلأَمْرُ جَمِيعاً } [الرعد: 31].
وكقوله:
{ لِلَّهِ ٱلأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ } [الروم: 4].
ومن اللطائف في قوله تعالى: { وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ } إلى آخر ما سمعته من الشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه، أنه قال: إن المتظاهرتين على رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأتان فقط تآمرتا عليه فيما بينهما، فجاء بيان الموالين له ضدهما كل من ذكر في الآية. فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة، ما يدل على عظم كيدهن وضعف الرجال أمامهن، وقد أشار إلى ذلك قوله تعالى:
{ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ } [يوسف: 28]، بينما قال في كيد الشيطان: { إِنَّ كَيْدَ ٱلشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً } [النساء: 76].
وقد عبر الشاعر عن ذلك بقوله:

ما استعظم الإله كيدهنه إلا لأنَّهن هن هنه