التفاسير

< >
عرض

إِنَّ ٱلَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِٱلْغَيْبِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ
١٢
-الملك

أضواء البيان في تفسير القرآن

الخشية: شدة الخوف، كما قال تعالى: { ٱلَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِٱلْغَيْبِ وَهُمْ مِّنَ ٱلسَّاعَةِ مُشْفِقُون } [الأنبياء: 49].
وبين تعالى محل تلك الخشية في قوله:
{ إِنَّمَا يَخْشَى ٱللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ ٱلْعُلَمَاءُ } [فاطر: 28] لأنهم يعرفون حق الله تعالى ويراقبونه.
وقد بين تعالى حقيقة خشية الله:
{ وَإِنَّ مِنَ ٱلْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ ٱلأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ ٱلْمَآءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ ٱللَّهِ } [البقرة: 74].
وقوله:
{ لَوْ أَنزَلْنَا هَـٰذَا ٱلْقُرْآنَ عَلَىٰ جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُّتَصَدِّعاً مِّنْ خَشْيَةِ ٱللَّهِ } [الحشر: 21].
فالذين يخشون ربهم بالغيب هم الذين يعرفون حق الله عليهم ومراقبته إياهم في السر والعلن، ويعلمون أنه مطلع عليهم مهما تخسفوا وتستروا وهم دائماً منيبون إلى الله، كما في قوله:
{ هَـٰذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ مَّنْ خَشِيَ ٱلرَّحْمَـٰنَ بِٱلْغَيْبِ وَجَآءَ بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ } [قۤ: 32-33]، وهذه أعلى درجات السلوك مع الله تعالى، كما بين أنها منزلة العلماء.
وقد عاب تعالى أولئك الذين يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله، ويخشون الناس ولا يخشون الله، فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين.
وإفراد الله بالخشية منزلة الأنبياء، كما في قوله:
{ ٱلَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاَتِ ٱللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلاَ يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلاَّ ٱللَّهَ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ حَسِيباً } [الأحزاب: 39].
قال الشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه: والعرب تمدح من يكون في خلوته كمشهده مع الناس.
ومنه قول مسلم بن الوليد:

يتجنب الهفوات في خلواته عف السريرة غيبه كالمشهد

والواقع أن هذه الصفة، وهي خشية الله بالغيب والإيمان بالغيب أساس عمل المسلم كله، ومعاملاته، لأنه بإيمانه بالغيب سيعمل كل خير طمعاً في ثواب الله، كما في مستهل المصحف { الۤمۤ ذَلِكَ ٱلْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱلْغَيْبِ } [البقرة: 1-3] الآية.
وبمخافة الله بالغيب سيتجنب كل سوء، فيسلم ويتحصل له ما قال الله تعالى عنهم: { مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ }، مغفرة من ذنوب { وَأَجْرٌ كَبِيرٌ } على أعماله، رزقنا الله خشيته في السر والعلن.
وليعلم أن المراد بالغيب مما هو من جانب العبد لا سيده، كما في الحديث في الإحسان
"أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك" وهذا الإحساس هو أقوى عامل على اكتساب خشية الله سبحانه.