التفاسير

< >
عرض

وَجَآءَ فِرْعَوْنُ وَمَن قَبْلَهُ وَٱلْمُؤْتَفِكَاتُ بِالْخَاطِئَةِ
٩
-الحاقة

أضواء البيان في تفسير القرآن

المؤتفكات: المنقلبات، وهي قرى قوم لوط.
وتقدم للشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه تفصيل ذلك عند قوله تعالى في هود
{ فَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا } [هود: 82] الآية.
وفي النجم عند قوله تعالى:
{ وَٱلْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَىٰ } [النجم: 53].
تنبيه
نص تعالى هنا أن فرعون ومن قبله، والمؤتفكات جاءوا بالخاطئة وهي:
{ فَعَصَوْاْ رَسُولَ رَبِّهِمْ } [الحاقة: 10]، وكذلك عاد وثمود كذبوا بالقارعة. فالجميع اشترك في الخاطئة، وهي عصيان الرسول { فَعَصَىٰ فِرْعَوْنُ ٱلرَّسُولَ } [المزمل: 16]، ولكنه قد أخذهم أخذة رابية.
ونوع في أخذهم ذلك: فأغرق فرعون وقوم نوح، وأخذ ثمود بالصيحة، وعاداً بريح، وقوم لوط بقلب قراهم، كما أخذ جيش أبرهة بطير أبابيل، فهل في ذلك مناسبة بين كل أمة وعقوبتها، أم أنه للتنويع في العقوبة لبيان قدرته تعالى وتنكيله بالعصاة لرسل الله.
الواقع أن أي نوع من العقوبة فيه آية على القدرة، وفيه تنكيل بمن وقع بهم، ولكن تخصيص كل أمة بما وقع عليها يثير تساؤلاً، ولعل مما يشير إليه القرآن إشارة خفيفة هو الآتي:
أما فرعون فقد كان يقول:
{ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَـٰذِهِ ٱلأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِيۤ } [الزخرف: 51]، فلما كان يتطاول بها جعل الله هلاكه فيها أي في جنسها.
وأما قوم نوح فلما يئس منهم بعد ألف سنةإلا خمسين عاماً، وأصبحوا لا يلدوا إلا فاجراً كفاراً، فلزم تطهير الأرض منهم، ولا يصلح لذلك إلا الطوفان.
وأما ثمود فأخذوا بالصيحة الطاغية، لأنهم نادوا صاحبهم فتعاطى فعقر، فلما كان نداؤهم صاحبهم سبباً في عقر الناقة كان هلاكهم بالصيحة الطاغية.
وأما عاد فلطغيانهم بقوتهم، كما قال تعالى فيهم:
{ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ إِرَمَ ذَاتِ ٱلْعِمَادِ ٱلَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي ٱلْبِلاَدِ } [الفجر: 6-8]، وسواء عماد بيوتهم وقصورهم، فهو كناية عن طول أجسامهم ووفرة أموالهم وتوافر القوة عندهم، فأخذوا بالريح وهو أرق وألطف ما يكون، مما لم يكونوا يتوقعون منه أية مضرة ولا شدة.
وكذلك جيش أبرهة لما جاء مدل بعدده وعدته، وجاء معه بالفيل أقوى الحيوانات، سلط الله عليه أضعف المخلوقات والطيور
{ وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ } [الفيل: 3-4].
أما قولم لوط فلكونهم قلبوا الأوضاع بإتيان الذكور دون الإناث، فكان الجزاء من جنس العمل، قلب الله عليهم قراهم. والعلم عند الله تعالى.
ولا شك أن في ذلك كله تخويف لقريش.