التفاسير

< >
عرض

قَالَ فَٱهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَٱخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ ٱلصَّاغِرِينَ
١٣
-الأعراف

أضواء البيان في تفسير القرآن

بين تعالى في هذه الآية الكريمة: أنه عامل إبليس اللعين بنقيض قصده حيث كان قصده التعاظم والتكبر، فأخرجه الله صاغراً حقيراً ذليلا، متصفاً بنقيض ما كان يحاوله من العلو و العظمة، وذلك في قوله: { إِنَّكَ مِنَ ٱلصَّاغِرِينَ }، والصغار: أشد الذل والهوان، وقوله: { { ٱخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُوماً مَّدْحُوراً } [الأعراف: 18]، ونحو ذلك من الآيات، ويفهم من الآية أن المتكبر لا ينال ما أراد من العظمة والرفعة، وإنما يحصل له نقيض ذلك. وصرح تعالى بهذا المعنى في قوله: { { إِن فِي صُدُورِهِمْ إِلاَّ كِبْرٌ مَّـا هُم بِبَالِغِيهِ } [غافر: 56].
وبين في مواضع أخر كثيراً من العواقب السيئة التي تنشأ عن الكبر - أعاذنا الله والمسلمين منه - فمن ذلك أنه سبب لصرف صاحبه عن فهم آيات الله، والاهتداء بها كما في قوله تعالى:
{ سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِي ٱلَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ } [الأعراف: 146] الآية. ومن ذلك أَنه من أسباب الثواء في النار كما في قوله تعالى: { أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْمُتَكَبِّرِينَ } [الزمر: 60]، وقوله: { إِنَّهُمْ كَانُوۤاْ إِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ ٱللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ } [الصافات: 35]، ومن ذلك أن صاحبه لا يحبه الله تعالى كما في قوله: { { لاَ جَرَمَ أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُسْتَكْبِرِينَ } [النحل: 23]، ومن ذلك أن موسى استعاذ من المتصف به ولا يستعيذ إلا مما هو شر. كما في قوله: { { وَقَالَ مُوسَىٰ إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُـمْ مِّن كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لاَّ يُؤْمِنُ بِيَوْمِ ٱلْحِسَابِ } [غافر: 27] إلى غير ذلك من نتائجه السيئة، وعواقبه الوخيمة، ويفهم من مفهوم المخالفة في الآية: أن المتواضع لله جل وعلا يرفعه الله.
وقد أشار تعالى إلى مكانة المتواضعين له عنده في مواضع أخر كقوله:
{ وَعِبَادُ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَىٰ ٱلأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُواْ سَلاَماً } [الفرقان: 63]، وقوله: { تِلْكَ ٱلدَّارُ ٱلآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ فَسَاداً وَٱلْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ } [القصص: 83] وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إنه أوحي إلي أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد، ولا يبغي أحد على أحد" ، وقد قال الشاعر:

تواضع تكن كالبدر تبصر وجهه على صفحات الماء وهو رفيع
ولا تك كالدخان يعلو بنفسه إلى صفحات الجو وهو وضيع

وقال أبو الطيب المتنبي:

ولو لم يعل إلا ذو محل تعالى الجيش وانحط القتام