التفاسير

< >
عرض

يٰأَيُّهَا ٱلْمُزَّمِّلُ
١
قُمِ ٱلَّيلَ إِلاَّ قَلِيلاً
٢
نِّصْفَهُ أَوِ ٱنقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً
٣
أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ ٱلْقُرْآنَ تَرْتِيلاً
٤
-المزمل

أضواء البيان في تفسير القرآن

بين تعالى المراد من المقدار المطلوب قيامه بما جاء بعده { نِّصْفَهُ أَوِ ٱنقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً } [المزمل: 3] أي من نصفه أو زد عليه أي على نصفه، وفي هذه الآية الكريمة وما بعدها بيان لمجمل قوله تعالى: { وَمِنَ ٱلْلَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ } [الإسراء: 79] الآية.
وفيها بيان لكيفية القيام، وهو بترتيل القرآن، وفيها رد على مسألتين اختلف فيهما.
الأولى منهما: عدد ركعات قيام الليل، أهو ثماني ركعات أو أكثر؟
وقد خير صلى الله عليه وسلم بين هذه الأزمنة من الليل، فترك ذلك لنشاطه واستعداده وارتياحه. فلا يمكن التعبد بعدد لا يصح دونه ولا يجوز تعديه، واختلف في قيام رمضان خاصة، والأولى أن يؤخذ بما ارتضاه السلف، وقد قدمنا في هذه المسألة رسالة عامة هي رسالة التراويح أكثر من ألف عام في مسجد النَّبي عليه السلام، وقد استقر العمل على عشرين في رمضان.
والمسألة الثانية: ما يذكره الفقهاء في كيفية قيام الليل عامة هل الأفضل كثرة الركعات لكثرة الركوع والسجود، وحيث إن أقرب ما يكون العبد إلى الله وهو ساجد، أم طول القيام للقراءة؟ حيث إن للقارئ بكل حرف عشر حسنات، فهنا قوله تعالى: { وَرَتِّلِ ٱلْقُرْآنَ تَرْتِيلاً } [المزمل: 4] نص على أن العبرة بترتيل القرآن ترتيلاً، وأكد بالمصدر تأكيداً لإرادة هذا المعنى كما قال ابن مسعود: "لا تنثروه نثر الرمل، ولا تهذوه هذا الشِّعر؟ قفوا عند عجائبه وحركوا به القلوب، ولا يكن هم أحدكم آخر السورة" وقد بينت أم سلمة رضي الله عنها تلاوة رسول الله صلى الله عليه وسلم بقولها: كان يقطع قراءته آية آية
{ بسم الله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ ٱلرَّحْمـٰنِ ٱلرَّحِيمِ مَـٰلِكِ يَوْمِ ٱلدِّينِ } [الفاتحة: 1-4] رواه أحمد.
وفي الصحيح عن أنس: سئل عن قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كنت مداً ثم قرأ { بسم الله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـم } يمد بسم الله ويمد الرحمن، ويمد الرحيم.
تنبيه
إن للمد حدوداً معلومة في التجويد حسب تلقي القراء رحمهم الله، فما زاد عنها فهو تلاعب، وما قلّ عنها فهو تقصير في حق التلاوة.
ومن هذا يعلم أن المتخذين القرآن كغيره في طريقة الأداء من تمطيط وتزيد لم يراعوا معنى هذه الآية الكريمة، ولا يمنع ذلك تحسين الصوت بالقراءة، كما في قوله صلى الله عليه وسلم
"زينوا القرآن بأصواتكم" .
وقال أبو موسى رضي الله عنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم: لو كنت أعلم أنك تسمع قراءتي لحبرته لك تحبيراً. وهذا الوصف هو الذي يتأتى منه الغرض من التلاوة، وهو التدبر والتأمل، كما في قوله تعالى: { أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ ٱلْقُرْآنَ } [النساء: 82]، كما أنه هو الوصف الذي يتأَتى معه الغرض من تخشع القلب كما في قوله تعالى: { ٱللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ ٱلْحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ ٱلَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىٰ ذِكْرِ ٱللَّهِ } [الزمر: 23]، ولا تتأثر به القلوب والجلود إلا إذا كان مرتلاً، فإذا كان كالشعر أو الكلام العادي لما فهم، وإذا كان مطرباً كالأغاني لما أثر. فوجب الترتيل كما بين صلى الله عليه وسلم.